للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد كان علم الكلام الذي نشأ إسلامياً (١) ثم أخذ ينجر بذاته ويجر المنجذبين إليه من العلماء القائمين بالتصدي للملل والنحل الكافرة، ويجر أيضاً المتشيعين لمباحثه من عموم المؤمنين المتعلقين بالمباحث الكلامية إلى الفلسفة، كما أن الفلاسفة الإِسلاميين!! الذين استبطنوا الفلسفة اليونانية وتشربوها -بحكم وجودهم في محيط إسلامي- كانوا مدفوعين إلى أن يصبغوا -من حيث شاؤوا أو لم يشاؤوا- مباحثهم الفلسفية بلون من التفكير الديني، إن يكن صحيحاً أو فاسداً، أو يكن عميقاً أو سطحياً. وبهذا المعنى أصبحت مباحث المتكلمين من جهة ومباحث الفلاسفة من جهة أخرى، متأثرة على التفاوت بعضها ببعض، وعلى هذا فإن الألفاظ التي تجري على ألسنة المتكلمين ومنهم ابن العربي لم تكن معهودة على ألسنة السلف، بل والمعاني التي يصورها المتكلمون وإن يكن بعضها راجعاً إلى معنى من التلاقي مع عقيدة السلف في الأصول الإِسلامية الإِجمالية العامة فإن صورة تفصيلها قد أصبحت فيها من الخلط والزيف الكثير، فمن هنا برزت النبوة الواضحة بين المنهج الكلامي وبين ما عليه جمهور المسلمين.

نعود إلى ابن العربي بعد هذا الاستطراد الذي لا يخلو من فائدة -إن شاء الله- فنقول:

لقد بحث ابن العربي في موضوعات فلسفية وصوفية، ولم يكن بحثه فيها إلا بحثاً جزئياً؛ لأنه تناول في "قانون التأويل" مسائل معينة وجزئيات محصورة لأجل تقويم المنهج الاستدلالي، مع الغايات التي يرمي إليها في الحفاظ على المقالات السُّنِّيَّةِ. وقد وفق ابن العربي في أغلب ما تطرق إليه من موضوعات مختلفة إلاَّ أننا نأخذ عليه بعض الهنات البسيطة والتي ربما تكون لها عواقب وخيمة، وذلك كقوله في فصل ذكر حقيقة النوم وحكمته": " ... وإن نظرنا إليه (أي إلى النوم) من حيث أنه انقطاع عن عالم التصرف


(١) أعني أنه في بداية ظهور علم الكلام لم تكن هناك ألفاظ اصطلاحية مثل الجوهر والعرض والحيز وغيرها.

<<  <   >  >>