للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواقع على الحيطان والجدران، وهذا الفهم الفاسد هو الذي أدى بهم إلى إنكار حقيقة النور، فجمعوا بين الفهم الفاسد وإنكار المعنى الحق، فالنور الذي عنوه ليس هو نور الرب عَزَّ وَجَلَّ القائم به الذي هو صفته، وإنما هو مخلوق له منفصل عنه كما سبق أن أشرنا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: "أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْض" لم يفهم منها قطعاً أن الله هو هذا النور المنبسط على الحيطان والجدران، ولا فهمه الصحابة عنه، بل علموا أنَّ لنور الرب تعالى شأناً آخر هو أعظم من أن يكون له مثال، فالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم متطابقة يوافق بعضها بعضاً، وتصرح بالفرق الذي بين النور الذي هو صفته والنور الذي هو خلق من خلقه، وكما أنه لا يماثل في صفة من صفات خلقه، فكذلك نوره سبحانه لا كالأنوار المخلوقة (١).

الرابع: إن كبار علماء الكلام كأبي محمد بن عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب (ت: ٢٤٠) (٢)، وأبي الحسن الأشعري، وجماعة من أئمة المتكلمين لم يذكروا الخلاف في اسمه تعالى "النور" إلاَّ عن المعتزلة، فإنكار كونه نوراً هو قول المبتدعة، ولا يحسن بالإمام ابن العربي -وهو الشديد على أهل البدعة- أن يكون متبعاً في هذه الفكرة أهل الجحود والتعطيل.

قال الإِمام ابن فورك في كتابه "مقالات أبي محمد بن كُلاب وأبي الحسن الأشعري:

"إن المشهور من مذهبه (أي مذهب الأشعري والله أعلم) بأن الله سبحانه نور لا كالأنوار حقيقة، لا بمعنى أنه هاد" (٣).

وقال في كتابه "التوحيد":


(١) م، ن: ٢/ ١٩٣.
(٢) هو أحد كبار الأئمة المتكلمين من مثبتة الصفات، وصفه الجويني بإمام أهل السنة في عصره، الإرشاد: ١١٩ وانظر عن آرائه الكلامية: الدكتور علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: ١/ ٢٦٥ - ٢٨٤.
(٣) عن ابن قيم الجوزية: مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ١٩٦.

<<  <   >  >>