للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن سأل سائل عن الله سبحانه عَزَّ وَجَلَّ أنُورٌ هو؟ قيل له: كلامك يحتمل وجهين: إن كنت تريد أنه نور يتجزأ تجوز عليه الزيادة والنقصان فلا، وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله الله سبحانه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فالله سبحانه نور السموات والأرض على ما قال، فإن قال: فما معنى قولك: نور؟ قيل له: قد أخبرناك ما معنى النور المخلوق، وما معنى نور الخالق، وهو سبحانه الذي ليس كمثله شيء، ومن تعدى أن يقول: الله نور، فقد تعدى إلى غير سبيل المؤمنين؛ لأن الله لم يكن يسمي نفسه لعباده بما ليس هو به، فَإنْ قال: لا أعرف النور إلاّ هذا النور المضيء المتجزىء قيل له: فإن كان لا يكون نور إلا كذلك، فكذلك لا يكون شيئاً إلاَّ وحكمه حكم ذلك الشيء ... فإذا قال عز وجل: إنِّي نور، قلت أنا: هو نور على ما قال سبحانه وتعالى، وقلت أنت: ليس هو نوراً، فمن المثبت له على الحقيقة أنا أو أنت؟ وكيف يتبين الحق فيه إلاَّ من جهة ما أخبر الله سبحانه، والدافع لما قال الله كافر بالله، وإن لزمنا أن لا نقول إن الله نور لأن ذلك موجود في الخلق، لزمنا أن لا نقول إن الله حيّ سميع بصير موجود، لأن ذلك موجود في الخلق، وَمَعْنَانَا في هذا الباب خلاف مَعْنَاكمْ، لأن معناكم في ذلك التعطيل، وَمَعْنَانَا في قولنا: الله نور، نثبت لله تعالى (اسم النور) على ما ورد به في كتابه بما تسمى به عندنا، فنحن مُتبعون ما أخبرنا به في كتابه، فإن جاز لكم أن تقولوا: شيئاً لا كالأشياء، جاز لنا أن نقول: نور لا كالأنوار (١)، وأنتم ظلمة فيما سألتم، جحدة لما أخبر به عن نفسه في كتابه" (٢). قلت: سبق أن ذكرت أن ابن العربي لم يؤول اسم الجلالة "النور" في كتابه "الأمد الأقصى" بل ارتضى ما ذهب إليه الِإمام الأشعري بأنه نور لا كالأنوار، وقد تعرض لأقوال العلماء في هذا الموضوع وذكر بعض آراء منها:


(١) قلت: وقد أخطأ القرطبي خطأ مبيناً عند نسب هذا القول في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى "لوحة ١٤٦/ ب" إلى المجسمة.
(٢) ابن قيم الجوزية: مختصر الصواعق المرسلة: ٢/ ١٩٦.

<<  <   >  >>