للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الأول: إن النور بمعنى هادي، قاله ابن عباس (١).

وقد ناقش ابن قيم الجوزية هذا القول فأوضح بأن هذا التفسير عن عبد الله بن صالح بن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس في ثبوت ألفاظه عن ابن عباس نظر، لأن الوالبي لم يسمعها من ابن عباس فهو منقطع، وأحسن أحواله أن يكون منقولًا عن ابن عباس بالمعنى، ولو صحّ ذلك عن ابن عباس فليس مقصوده به نفي حقيقة النور عن الله، وأنه ليس بنور، ولا نور له، كيف وابن عباس هو الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله في صلاة الليل اللهُم لَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ" (٢)، وكذلك لفظ الآية والحديث ينبو عن تفسير النور بالهادي؛ لأن الهداية تختص بالحيوان، وأما الأرض نفسها والسماء فلا توصف بهدى. والقرآن والحديث وأقوال الصحابة صريح بأنه سبحانه وتعالى نور السموات والأرض، ولكن عادة السلف أن يذكر أحدهم في تفسير اللفظة بعض معانيها ولازماً من لوازمها، أو الغاية المقصودة منها، أو مثالاً ينبه السامع على نظيره، وهذا كثير في كلامهم، فكونه سبحانه هادياً لا ينافي كونه نوراً (٣).

القول الثاني: معناه مُنَوِّر، قاله ابن مسعود، وروى أن في مصحفه: {مُنَوِّرُ السمَوَاتِ وَالأرْض} (٤).

رد ابن قيم الجوزية على أصحاب هذا القول بأن هذا لا ينافي كونه تعالى في نفسه نوراً، وأن يكون النور من أسمائه وصفاته، بل يؤكد ذلك، فإن الموجودات النورانية نوعان: منها ما هو في نفسه مستنير ولا ينير غيره كالجمرة


(١) الأمد الأقصى: ٩١/ ب وانظر الأعشى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي: ١٤٥/أوأخرج هذا الأثر الطبري في تفسيره ١٨/ ١٣٥، وذكره السيوطي في الدر المنثور: ٦/ ١٩٧ (ط: دار الفكر ١٩٨٣) وعزاه إلى جماعة منهم ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) مختصر الصواعق المرسلة: ٢/ ١٩٩.
(٤) الأمد الأقصى: ٩١/ ب، القرطبي: الأسنى ١٤٥/ أ.

<<  <   >  >>