للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثلاً، فهذا يقال له نور، ومنها ما هو مستنير في نفسه وهو منير لغيره كالشمس والقمر والنار، وليس في الموجودات ما هو مُنوِّرٌ لغيره، وهو في نفسه ليس بنور، بل إنارته لغيره فرع كونه نوراً في نفسه، فقراءة عبد الله بن مسعود مُنوِّر تحقيق لمعنى كونه نوراً، وهذا مثل كونه متكلماً معلماً مرشداً، مقدراً لغيره، فإن ذلك فرع كونه في نفسه متكلماً عالماً رشيداً قادراً (١).

القول الثالث: إنه مزين، قاله أُبي بن كعب (٢).

قال ابن قيم: إن هذا القول لا أصل له عن أبي بن كعب، وهو بالكذب عليه أشبه، فإن تفسير أبيّ رضي الله عنه لهذه الآية معروف رواه عنه أهل الحديث من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي، ذكره ابن جريج ومعمر ووكيع وهشيم وابن المبارك وعبد الرزاق والإمام أحمد وإسحاق وخلائق غيرهم، وذكر ابن جرير (٣) وسعيد وعبد بن حميد وابن المنذر في تفاسيرهم عن طريق عبد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس بن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال: فبدأ بنور نفسه فذكره، ثم ذكر نور المؤمن فقال: "مَثَلُ نُورِهِ"، يقول: مثل نور المؤمن، قال: وكان أبي بن كعب يقرأها كذلك مثل نور المؤمن. قال: فهو عبد جعل الإيمان في صدره كالمشكاة، قال: المشكاة صدره فيها مصباح، قال المصباح: القرآن والِإيمان الذي جعل في صدره ... إلخ. فهذا هو التفسير المعروف عن أبي بن كعب (٤)؛ لا ما ذكر آنفاً.

ونكتفي بهذا القدر من مناقشة أقوال العلماء في معنى "النور" مرددين مع ابن العربي قوله: "والصحيح عندنا أنه نور لا كالأنوار (٥)؛ لأنه الحقيقة


(١) مختصر الصواعق المرسلة: ٢/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) الأمد الأقصى: ٩١/ ب، القرطبي: الأسنى ١٤٥/ أ.
(٣) في جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ١٨/ ١٣٦.
(٤) انظر تفسير ابن كثير: ٦/ ١٩٧ (ط: دار الفكر ١٩٨٣).
(٥) الأمد الأقصى ٩٢/ أ.

<<  <   >  >>