للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الشجاعة فضيلة النفس الغضبية وتظهر في الِإنسان بحسب انقيادها للنفس الناطقة المميزة، واستعمال ما يوجبه الرأي في الأمور الهائلة" (١).

ومثل هذا عند الغزالي الذي يرى أن الشجاعة هي القوة الغضبية بكونها قوية الحمية، وهي وسط بين التهور والجبن، فالتهور عنده هو الزيادة على الاعتدال، وهي الحالة التي بها يقدم الِإنسان على الأمور المحظورة التي يجب في العقل الإحجام عنها. والجبن حالة بها تنقص حركة القوة الغضبية عن القدر الواجب فتنصرف عن الإِقدام حيث يجب الِإقدام (٢).

ورأيُ كل من ابن مسكويه والغزالي هنا متفق في جملته مع رأي كل من أفلاطون وأرسطو.

أما الشجاعة عند ابن العربي فترجع إلى حقيقة أخرى غير ما ذهب إليه الفلاسفة ومن ارتضى مذهبهم من العلماء المسلمين، فهي عنده: ثبات النفس عند حلول المصائب (٣)، أو ثبوت القلب عند تعارض المضادات من المخاوف والمرجوات (٤). ويعود هذا الثبات في نظره إلى صفة العلم التي يتصف بها صاحب الشجاعة، لأن المرء إذا اعترضه أمر وكان جاهلاً به أو ذاهلًا غير محصل له، فإنه سيرتبك ويضطرب فلا يهتدي إلى حل مشكله، ولا يتبصر وجه كشفه، أما إن اعترضه أمر وكان عالماً به غير ذاهل عنه، فإنه لا يبالي عما ينزل به من مصيبة، أو يطرأ عليه من مشكل إذ أنه قد حصن نفسه وأعدّها لمثل هذا الموقف، وذلك بما عنده من وضوح لما طرأ عليه وانكشاف لما حلّ به (٥).

وينتقد ابن العربي الفلاسفة في زعمهم بأن الشجاعة هي عبارة عن


(١) تهذيب الأخلاق: ١٨، ٢١.
(٢) ميزان العمل ٢٦٦ ومعارج القدس: ٨٧.
(٣) العواصم من القواصم: ٢٥٥.
(٤) قانون التأويل: ٤٨٣.
(٥) العواصم من القواصم: ٢٥٥ - ٢٥٦.

<<  <   >  >>