للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضيلة القوة الغضبية، فَهوَ لَا يقِرُّهُمْ على أن للغضب قوة ولا للحمية التي يزعمون أنها تنضاف إليها أو تتعاضد معها، ويحجّهم بنفس سلاحهم فيقول لهم بأنه إذا كانت الشجاعة فضيلة القوة الغضبية، وكانت القوة الغضبية ناشئة -على أصلكم- عن النفس بطريق التوليد (١)، فإنها تكون ضرورية، وأمر طبيعي، وغير داخلة في الفضائل الواقعة عن علم واختيار، وإرادة الفلاسفة أن يركّبوا على هذه الفكرة فكرة القوة الغضبية دَعْوَى. ولذلك بنوا عليها ما يجري مجرى الخطب والشعر التي ليست من البرهان والتحقيق في شيء عندهم أنفسهم.

كما انتقدهم في قولهم إن التهور زيادة على اعتدال القوة الغضبية، والجبن نقصان منها، وأشار إلى أن هذا الكلام كلّه هو كما قال أهل بغداد: "بناء شاذوف على قاذوف ليأتي منه لافوف" (٢)، وهذا كما يبدو للقارىء سخرية لاذعة بالفلسفة الخلقية اليونانية المبنية على القوى النفسية المجهولة المعنى. فابن العربي -رحمة الله عليه- نظرته نظرة واقعية تجريبية، إذ أنه فسر لنا معنى التهور ومعنى الجبن بنقصان التصرف الملائم واضطراب المواجهة، مواجهة الموقف بسبب ما طرأ عليه من الآفات المفاجئة التي تجعل حركة المواجهة صادرة عن جهل، ويؤدي ذلك إلى تصرف غير مناسب، وغير موافق لما يتطلبه الموقف الجديد المفاجىء (٣).


(١) بيّن لنا ابن العربي -رحمه الله- في كتابه العواصم أن أوّل من اخترع عبارة التولد في المصطلح الكلامي هو الجاحظ المعتزلي (ت: ٢٥٥) أخذها من مادة "ولد" أو "الولادة" وهي: خروج الشيء من الشيء. وكذا هذا لما نشأ عن هذا، وقال إن الطبيعيين ومن أخذ بقولهم لما رأوا تركيب الكون في الموجودات المحسوسة على نظام متساوق واحد بعد واحد، نسبوا من أصل ذلك الثاني إلى الأول، وربطوا بين السابق واللاحق، والمقدم والتالي، ولكن المعتزلة تحيلوا في اختراع الاصطلاح وبرعوا فيه، إذ أنهم سموا هذه العلاقة بين الأول والثاني تولداً، وذهب إلى أن المعتزلة سموا هذه العلاقة تولداً تزييناً له وتحسيناً واتهمهم -واتهامه حق- بأنهم استمدوا ذلك من الفلاسفة فقال: "وعلى قاعدة الفلاسفة قعدوا، وحول دائرتهم دوروا" العواصم: ١١٠ وما بعدها.
(٢) العواصم: ٢٥٦.
(٣) عمار طالبي: آراء أبي بكر بن العربي الكلامية: ١/ ٢

<<  <   >  >>