للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومتميز عنه، وقالوا: إن الإِنسان عبارة عن البنية المحسوسة، وعن هذا الجسم المحسوس، ويرى هؤلاء أن الِإنسان لا يحتاج تعريفه إلى ذكر حدّ ورسم، بل الواجب أن يقال: إن الإنسان هو الجسم المبني بهذه البنية المحسوسة ومن أوضح الأمثلة على هذا التصور المادي الصرف للنفس، موقف الأصم المعتزلي (١) الذي كان يقول:، الِإنسان هو الذي يرى، وهو شيء واحد لا روح له، وهو شيء واحد" ونفى إلا ما كان محسوساً مدركاً. وكان يقول: "ولست أعقل إلا الجسد الطويل العريض العميق الذي أراه أو أشاهده" كما كان يقول: "النفس هي هذا البدن بعينه لا غير" (٢)، وحُكِيَ عن قوم آخرين أنهم قالوا:، إن البدن هو الِإنسان" (٣) وقد زعم الرازي أن هذا المذهب هو اختيار طائفة عظيمة من المتكلمين (٤)، وتابعه في هذا الزعم شارح كتاب "المواقف" (٥).

الثاني: طائفة من ذوي الاتجاه الروحي الخالص القائم على أن النفس ليست جسماً ولا في مكان بل هي جوهر روحاني خالص منفصل من البدن، وهذا الرأي هو معتقد أكثر الإلهيين من الفلاسفة كسقراط وأفلاطون، وقد أخذ به من المنتسبين إلى الإِسلام جماعة منهم معمر بن عمار السلمي (٦)، وكثير من الإمامية (٧) كما أخذ به -مع اختلاف بسيط- الراغب الأصفهاني والإمام الغزالي، وقد وصف الإِمام ابن قيم الجوزية هذا المذهب بأنه أردى المذاهب وأبعدها من الصواب (٨).


(١) هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان من طبقة أبي هذيل العلاف.
(٢) الأشعري: مقالات الإِسلاميين ٢/ ٣٣٣ (ط: ريتر) ابن قيم الجوزية، الروح: ١٧٦.
(٣) الأشعري: مقالات الإِسلاميين ٢/ ٢٨ (ط: محيي الدين).
(٤) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين: ١٦٣ (ط: الحسينية).
(٥) المواقف: ٧/ ٢٥٠.
(٦) من كبار أئمة المعتزلة الذين كان لهم اتصال وثيق بالفلسفة اليونانية انظر عنه: الشهرستاني، الملل والنحل ٦٨ - ٧١.
(٧) الرازي: المعالم في أصول الدين: ٢٦٧ (ط: بهامش المحصل).
(٨) الروح: ١٧٧.

<<  <   >  >>