للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: اعتبر جماعة من المفكرين أن الروح عرض من جوهر مادي، وممن ذهب إلى هذا الرأي العلاف المعتزلي والأشعري والباقلاني أنصار مذهب الجوهر الفرد، الذين يرون العالم مؤلفاً من جواهر وأعراض لا تستمر آنين، وهكذا فالروح مثل الذرات تخلق وتعدم في كل آن وباستمرار، وعلى مذهبهم أن الباري تعالى: يخلق الأجسام وأرواحها التي هي عرض لها خلقاً متجدداً مستمراً بلا انقطاع، وقد انتقدهم الرازي بقوله: "إن هذا بما لا يقول به عاقل لأن من المعلوم بالضرورة أن الِإنسان جوهر، لأنه موصوف بالعلم والقدرة والتدبير والتصرف، ومن كان كذلك كان جوهراً والجوهر لا يكون عرضاً (١).

والآن وبعد هذا العرض المختصر لأهم الآراء التي قيلت في الروح، ما هو موقف ابن العربي من هذا الموضوع الشائك (*)؟.

الواقع أن ابن العربي أمسك عن الخوض في هذا الموضوع في كتابه "أحكام القرآن" حيث قال: " ... إن الأنبياء لا يتكلمون مع الخلق في المتشابهات، ولا يفيضون معهم في المشكلات، وإنما يأخذون في البيِّن من الأمور المعقولات، والروح خلق من خلق الله تعالى، جعله الله في الأجسام فأحياها بها، وعلمها وأقدرها، وبنى عليها الصفات الشريفة والأخلاق الكريمة، وقابلها بأضدادها لنقصان الآدمية، فإذا أراد العبد إنكارها لم يقدر لظهور آثارها، وإذا أراد معرفتها وهي بين جنبيه لم يستطع؛ لأنه قصر عنها وقصر به دونها" (٢).

قلت: أما في "قانون التأويل" فقد تعرض لمسألة "الروح" فأورد قول الصوفية فيها وأنكره بشدة، قال رحمه الله:

" ... وتابعت الصوفية الفلاسفة في شيء من أغراضها فيها (أي في


(١) مفاتيح الغيب: ٥/ ٤٣٤.
(*) للاطلاع على مختلف الآراء في الروح انظر ابن قيم الجوزية: الروح: ١٧٥ وما بعدها.
(٢) صفحة: ١٢٢٤.

<<  <   >  >>