للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الروح) قالوا: العالم عالمان: عالم الخلق وعالم الأمر، والروح من عالم الأمر، وأشاروا إلى أن الخلق من العالم ما كان كَمِّياً مُقَدَّراً، والأمر ما لم يكن مقدراً، والروح عندهم حادث، ولا يكون عندهم محدث في احترازات من مقاصد لا خير فيها .. ويكاد يكون هذا القول تحليقاً على مذاهب الحلولية واعتصاماً بمذهب النصارى في عيسى" (١).

قلت: ونفهم من هذا النص المختصر مدى تأثر الصوفية بآراء الفلاسفة، فمن المعلوم أن الأفلاطونية ترى أن الروح أزلية خالية وجدت قبل البدن، وتحيا بعد فنائه، وقد تطورت هذه النظرية وتحددت معالمها على يد الفلاسفة المنسوبين إلى الإِسلام أمثال الفارابي وابن سينا ثم اعتنقها بعد ذلك جمهور الصوفية.

واحتجاج الصوفية بأن الروح من أمر الله، وأمره غير مخلوق، يقتضي أن تكون قديمة (٢)، وهذا قول بعيد كل البعد عما اعتقده السلف الصالح، فقد أجمعت الرسل على أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة (٣)، كما يعلم بالاضطرار أن العالم حادث وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم -وهم القرون المفضلة- على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة (٤).

وقد أنكر شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله على أبي حامد الغزالي (وهو الذي اكتملت على يديه صياغة هذه النظرية) تفرقته بين عالم الخلق


(١) قانون التأويل: ٤٩٩.
(٢) انظر آراء الصوفية في تعليقنا رقم ٢ على قانون التأويل: ص ٤٩٨.
(٣) ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية ٣٤٦.
(٤) ابن قيم: الروح ١٤٤ قال ابن أبي العز الحنفي: "واتفق أهل السنة والجماعة على أنها (أي الروح) مخلوقة، وممن نقل الإجماع على ذلك محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهما" شرح العقيدة الطحاوية ٣٤٦، وقد حكى هذا الإجماع ابن تيمية كما في الروح لابن القيم: ١٤٥.

<<  <   >  >>