ومن الملاحظ أن هؤلاء الفلاسفة قد تأثروا في تقسيمهم للعلوم بالتقسيم الأرسطي الذي يقوم على تفصيل ثلاثي للعلم: علم نظري وعلم عملي وعلم شعري (١).
والآن ما هو موقع التقسيم الذي أورده ابن العربي من هذه التقاسيم التي سبقته؟ وما هي خصائصه ومميزاته؟.
لعل أول ما نلاحظه أن تقسيم ابن العربي -رحمه الله- يكاد يكون متحرراً من تقسيم أرسطو، وهو قائم على تصور عقدي صرف، فعلم الله المحيط بكل شيء، ومقابله علم المخلوق القاصر، وكذلك معرفة الله وصفاته، ومعرفة أحكام المكلفين وما إلى ذلك، كل هذا من وحي علوم الشريعة.
وفي مقابل هذا، فإننا نجد في التقسيم اهتماماً بعلوم اللغة وهو ما يعكس شغف ابن العربي باللغة واهتمامه بها وتركيزه عليها.
ومن الواضح أنه بني تصنيفه على نظر في واقع العلوم كما هي، إلى جانب انطلاقه من صورة ذهنية للعلم حددت له ما هو واجب على المسلم أن يعتقده، وبفضل هذه النظرة المزدوجة جاء تقسيمه متحرراً -إلى حد ما- من التقاسيم التي سبقته، إلى جانب أن البنية العامة التي اعتمدها هي بنية طريفة وعملية، تدل على تمكنه من الثقافة الِإسلامية وتبحره فيها.
(١) لا شك أن أفلاطون قد سبق أرسطو في تقسيم العلوم وذلك في كتابه الجمهورية. صفحة ٢٦٨ وما بعدها (ط: دار الكتاب العربي) وانظر عنه يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية: حواشي صفحة ٧١، وللوقوف على تقسيم أرسطو انظر: عبد الرحمن بدوي: "أرسطو": ٥٦ (ط: القاهرة ١٩٦٤)، مقدمة الدكتور إبراهيم سلامة لكتابه "بلاغة أرسطو بين العرب واليونان" ٧ - ٩ (ط: مصر ١٩٥٢). ملاحظة: ينبغي الإشارة إلى أن الخوارزمي (ت: ٣٨٧) وابن النديم (ت: ٤٣٨) وإخوان الصفا والغزالي (ت: ٥٠٥) وغيرهم قد تأثروا جميعاً بالتقسيم الأرسطي.