وأمام هذه المحاولات التي تستهدف التشكيك في صحة النبوة أو إنكارها وقف مفكرو الإِسلام على اختلاف مشاربهم يصدون هذه الحملات وصنفوا الكثير من الكتب في دلائل النبوة وإثباتها.
وحاول المشتغلون بالفلسفة أن يسهموا بدورهم في الرد على حملات الطعن في النبوة وذلك بأن يعرضوا تفسيراً عقلياً فلسفياً للوحي، ولقد كان الفارابي معاصراً لابن الراوندي والرازي معاً، ويروي المؤرخون أنه كتب ردّين على كل منهما، إلاَّ أن هذين الردين لم يصلا إلينا. ويعتبر الفارابي أول من طبع نظرية النبوة بطابع فلسفي، وفصّل القول فيها، وكان لنظريته هذه تأثير كبير في خلفائه من فلاسفة المتكلمين والصوفية، فالفيلسوف ابن سينا نضجت نظرية النبوة -من الناحية الفلسفية- على يديه فهو يرى أن للنبي ثلاث قوى:
الأولى: قوة قدسية، وهي متابعة لقوة العقل النظري، ويتمكن بها النبي من إدراك الحد الأوسط دفعة واحدة.
القوة الثانية: قوة خيالية، أو قوة المخيلة، أو التخيل والحس الباطن، بحيث يتمثل للنبي ما يعلمه في نفسه فيراه ويسمعه، فيرى في نفسه صوراً نورانية هي الملائكة، ويسمع أصواتاً هي كلام الله أو وحيه، وهذا كله من جنس ما يحصل للنائم في منامه، ومن جنس ما يحصل لبعض الذين يأخذون أنفسهم بالرياضيات الروحية، ومن جنس ما يحصل لبعض المجانين والذين يصابون بالصرع.
والقوة الثالثة: القوة النفسية التي يتمكن بها النبي من التأثير في مادة العالم، بحيث تحدث له الخوارق والمعجزات (١).
هذا هو تفسير ظاهرة النبوة عند الفلاسفة الذين ينتسبون إلى الإِسلام،
(١) انظر نظرية ابن سينا في الإشارات والتنبيهات ٢/ ٣٦٨ - ٣٧٠، ٣/ ٨٥٣ - ٩٠٣ (ط: بتحقيق أستاذنا الدكتور سليمان دنيا شفاه الله)، وانظر الرد على هذه النظرية: ابن تيمية: النبوات: ١٦٨، مجموع الفتاوى ٥/ ٩٣.