للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و "إحياء علوم الدين" جمعه بين التصوف والكلام، بل تعلقه الشديد بمنهج الرياضة والاستشراق، وطرحه لمنهج النظر والكلام. ودعا المتكلمين والفقهاء جميعاً إلي أن يسلموا لسلطان التصوف وأن يجعلوه الحقيقة العليا المطلوبة من المعارف الدينية، وأن يجعلوه الروح التي تجري في كلام المتكلم، وفي فقه الفقيه الذي إن لم يصحبه تصوف فما هو إلا زندقة.

ولقد تمسك الغزالي في هذا المجال بما تبرأ منه القشيري، ذلك أن القشيري تبرأ من أن يكون للصوفية نظريات خاصة بهم تختلف مع نظريات المتكلمين، واجتهادات تختلف عن اجتهادات الفقهاء، وبين أن الصوفية يسلمون للمتكلمين جميع ما قرروه من تكاليف الشريعة، ولكنهم يبحثون عقد شيء واحد هو طريق الوصول إلى تلك الغايات التي هي مطلوب المتكلمين ومطلوب الفقهاء (١).

فالتصوف حينئذ على طريقة القشيري منهج نظري لا يصطدم مع نظرية من النظريات التي هي قوام علم الكلام، إلاَّ أن الغزالي جاء يتمسك بذلك الذي تبرأ منه القشيري قبله فيدعي أن للصوفية نظريات، وأهمها نظريتهم في المعرفة التي تختلف تمام الاختلاف عن نظرية المتكلمين، وإن المتكلمين إذا كانوا يرون أن ملاك تحسين الحق إنما هو النظر العقلي فإن الغزالي مع الصوفية جميعاً يرون أن من المعارف ما لا طريق لإدراكه إلاَّ بالكشف الإشراقي الذي يأتي من الكمال الروحاني الذي هو نتيجة الرياضة والتجرد، وإن ذلك الأمر مرجوع فيه إلى التجربة، وليس مرجوعاً فيه إلى برهان آخر، وعلى ذلك بنى بحثه في نظرية المعرفة في "المنقذ من الضلال" (٢) حيث يذكر في هذا الكتاب أن المكاشفات والمشاهدات تحدث للصوفية في أول طريق التصوف حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء،


(١) انظر "الرسالة القشيرية" وشكاية أهل السنة.
(٢) هذا الكتاب هو من آخر كتب الغزالي تأليفاً كما أنه من الكتب التي لم يطعن أحد في صحة نسبتها إليه. انظر: عبد الرحمن بدوي مؤلفات الغزالي: ٢٠٢.

<<  <   >  >>