للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويسمعون منهم أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق (١).

ثم يقرر الغزالي أن من لم يرزق من طريق التصوف شيئاً بالذوق، فلا يمكنه أن يدرك من حقيقة النبوة إلاَّ الاسم، وإن كرامات الأولياء على التحقيق- هي بدايات الأنبياء (٢).

وعين هذا الكلام هو الذي حرره عنه تلميذه القاضي ابن العربي الذي قال في كتابه "العواصم من القواصم":

"ولقد فاوضت فيها أبا حامد الغزالي حين لقائي له بمدينة السلام في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربعمئة، وقد كان راض نفسه بالطريقة الصوفية (٣) من سنة ست وثمانين إلى ذلك الوقت نحواً من خمسة أعوام، وتجرد لها، واصطحب مع العزلة، ونبذ كلّ فرقة ... فقرأت عليه جملة من كتبه، وسمعت كتابه الذي سماه بالِإحياء لعلوم الدين، فسألته سؤال المسترشد عن عقيدته، المستكشف عن طريقته، لأقف من سر تلك الرموز التي أومأ إليها في كتبه ... فقال لي من لفظه، وكتبه لي بخطه: إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس، وتجرد للمعقول انكشفت له الحقائق، وهذه أمور لا تدرك إلاَّ بالتجربة لها عند أربابها، بالكون معهم، والصحبة لهم، ويرشد إليه طريق من النظر وهو أن القلب جوهر صقيل، مستعد لتجلي المعلومات فيه،


(١) ص: ١٤٠.
(٢) ص: ١٤١ - ١٤٢.
(٣) قال ابن العربي في موضع آخر من كتابه "العواصم من القواصم" معلقاً على انغماس الإِمام الغزالي في التصوف، " ... وقد كان أبو حامد تاجاً في هامة الليالي، وعقداً في لبّ المعالي، حتى أوغل في التصوف وأكثر معهم التصرف، فخرج على الحقيقة، وحاد في أكثر أحواله عن الطريقة، وجاء بألفاظ لا تطاق، ومعان ليس لها مع الشريعة انتظام ولا اتساق، فكان علماء بغداد يقولون: لقد أصابت الإِسلام فيه عين، فإذا ذكروه جعلوه في حيز العدم، وقرعوا عليه السنن من ندم، وقاموا في التأسف عليه على قدم، فإذا لقيته رأيت رجلاً قد علا في نفسه، ابن وقته، لا يبالي بغده ولا أمسه، فواحسرتي عليه أي شخص أفسد من ذاته، وأي علم خاط وخلط فيه مفرداته .. " ١٠٧ - ١٠٨.

<<  <   >  >>