للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند مقابلتها عرياً عن الحجب كالمرآة في ترائي المحسوسات عند زوال الحجب من صدء لائط، أو ستر من ثوب أو حائط، لكنه بتراكم الآفات عليه، يصدأ حتى لا يتجلى فيه شيء، أو يتجلى معلوم دون معلوم بحسب مواراة الحجاب له، من ازورار أو كثافة أو شفف، فيتخيل فيها مخيلة غير متجلية، كأنه ينظر من وراء شف، ألا ترى إلى النائم إذا أفلت قلبه من يد الحواس وانفك من أسرها، كيف تتجلى له الحقائق تارة بعينها وأخرى بمثالها.

قال لي: وقد تقوى النفس، ويصفو القلب حتى يؤثر في العوالم، فإن للنفس قوة تأثيرية موجدة، ولكن -كما قلنا- ما يتوارد عليها من شعوب البدن وعلائق الشهوات، يحول بينها وبين تأثيرها. حتى لا يبقى لها تأثير إلاَّ في محلها وهو البدن خاصة ... وقد تزيد قوتها بصفائها واستعدادها، فتعتقد إنزال الغيث، وإنبات النبات، ونحو ذلك من معجزات خارقات، فإذا نطقت به كان على نحوه، وهذه نفوس الأنبياء، وهي الآيات التي تأيّدت بها أحوالهم" (١).

قلت: وهذا الكلام الخطير من الِإمام الغزالي هو الذي جعل ابن العربي -على ما بينه وبين الغزالي من مودّة صادقة- يناقض هذه النظرية في "قانون التأويل" وينتقدها بعنف في "العواصم من القواصم" وهذا المعنى من محاولة إحداث نظرية منهجية للصوفية تختلف عن نظرية المتكلمين والأصوليين والفقهاء، هو الذي فرق بين الغزالي وبين جمهرة إخوانه في عصره من المتكلمين والفقهاء وحتى من الصوفية، فإن بعض الصوفية وإن كانوا قائلين بالكشف إلاَّ أنهم ملتزمون بأن الكشف الذي يقولون به لا يمكن أن يأتي بشيء فيما اختص به الشارع بالتوقيف، وعلى هذا بنيت الأصول التي استقر عليها جماعة من الصوفية (٢) قبل الغزالي وبعده مثل الشيخ عبد القادر


(١) العواصم من القواصم ٣٠ - ٣٣.
(٢) يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية في كتابه الرد على المنطقيين: ٥١٤ - ٥١٥: " ... كان الشيوخ =

<<  <   >  >>