للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"هذا المذكور -في الحديث- يؤتى مثل الدنيا في عشر مرات مساحة وقيمة فإن القيمة لا تنحصر، إذ نصيف حورية خير من الدنيا، والقدرة متسعة للمساحة والقيمة جميعاً، والخلاء يحتملها، فافرض ما شئت من العدم، وإخراجه إلى الوجود جاز عقلاً وصح. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء" وليس هذا بإخراج لها من حد المحسوس إلى المعقول كما تقول الفلاسفة، وإنما هو للفرق بينهما من أوجه كثيرة.

أحدها: إن الجنة لا تفنى والدنيا تفنى، والجنة لا تستحيل ولا تتغير، والدنيا بخلافها، والجنة لا آفة لها والدنيا كلها آفات من لغو وهمّ وملل وعلل وحسد ومنازعة، وكل ما يكدر نعم الدنيا فالجنة منزهة عنه في ذات وصفات وأفعال، وبذلك تم النعيم وكمل الأمر وطاب العيش.

والدنيا ما يكون فيها ينشأ بتركيب وتدريب وترتيب، والجنة إنما يقول العبد فيها للشيء كن فيكون، وكل شيء في الدنيا ينفع ويضر، والجنة منفعة بجميع ما فيها لا مضرة معها، فهذه سبعة وجوه أصول بله ما يتبعها من عظيم التفصيل (١).

قلت: وأشار ابن العربي في هذا الفصل -قضية العلم والعمل (٢) - فقال: قد قام الدليل العقلي على أن العلم قبل العمل، كما قام الدليل الشرعي على أن العالم بالله هو الذي لا يعصي، قال الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] (٣) وقد ردّ ابن العربي على من زعموا من الصوفية بأن العلم هو من ثمرات العمل حيث تشبثوا بقول الإِمام مالك: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في قلب من يشاء.


(١) العواصم من القواصم ٣٣٤ - ٣٣٥.
(٢) قانون التأويل: ٥٥٢.
(٣) م، ن: ٥٦١.

<<  <   >  >>