للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال بأن هذا المقطع الشريف من قول إمام الأئمة مالك ليس من غرضهم في شيء، وإنما له حقيقة معلومة، وهي أن العبد إذا واظب الطاعات ونبذ المعاصي لم يكن له إلاَّ استثمار علمه واستدامة نيته، فإن العمل بالقصد، والقصد يرتبط بالعلم فإنهما إخوان، فإذا دام العمل الصالح دل على دوام العلم، وإذا علم ولم يعمل أوشك أن يذهب العلم، ويكون نقصان العمل علامة على نقصان العلم أو ذهابه (١).

وتساءل ابن العربي قائلاً: وكيف يذهب العلم بذهاب العمل، والعلم أصل والعمل فرع عليه، والفرع هو الذي يذهب بذهاب الأصل؟.

وأجاب على هذا التساؤل بجوابين:

الأول: ومثل له بأن الإنسان يرى الغصن الذابل في الشجرة الناضرة، فيستدل به على نقصان مادة الأصل التي كانت تمده بالريّ، ولولا نضوب المادة لما ذبل الغصن في الشجرة الناضرة، فكان ذهاب الفرع لذهاب الأصل، وعلامة عليه.

الجواب الثاني: هو أن التقوى والعلم جميعاً من جملة الأعمال، وكلاهما من الأعمال القلبية، وتنفرد التقوى بقسم منها، وهو عمل الجوارح، فإذا اتقى الإنسان الله بقلبه أولاً كما يجب، كان ذلك تعليماً من الله عز وجل للإنسان، بوضع الحجب التي تقيه عذابه، فإذا نقص العمل كان لنقصان العلم ضرورة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لَا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهوَ مؤْمِن (٢) فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزاني لا يقدم على الزنا إلا بعد فوات جزء من العلم (٣).

ولا ينكر ابن العربي أن صفاء القلب وطهارته مقصود شرعي وإنما الذي يستنكره هو القول بأن صفاء القلب يوجب تجلي العلوم فيه بذاته، والصحيح


(١) العواصم من القواصم ٢٠ - ٢١.
(٢) انظر تخريج هذا الحديث في التعليق رقم: ٢ في قانون التأويل: ٤٧٦.
(٣) العواصم من القواصم ٢١ - ٢٢.

<<  <   >  >>