للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي الحديث أنه يوزن عمله من إيمانه وحسناته، وبه يخرج من النار كما أن بعمله السيء دخلها، فإذا ثقلت السيئات ودخل النار، روعي له عند الخروج الإيمان من ذرة إلى شعيرة، ولو روعي له ذلك في الوزن الأول ما دخل النار لرجحانه له ولكنه تأخر، إما لوزن السيئات ورجحها، وإما لأنه مدخر للخروج من النار.

فدل صحيح هذا الخبر على أن أعمال الجوارح توزن بها، ينجو من العذاب أو يقع فيه، وأنه بما في قلبه من الإيمان، إذ الأعمال تضعفه فإذا بقي له مقدار ذرة عصم من الخلود به (١).

وينصح ابن العربي من آمن بالميزان ألا يقف دون الإيمان بالموزون يقول رحمه الله: "فلا نقول إذا لم نعلم عين الموزون يسقط الكل، وإنما وجب الرد في قياس الخلف لابتغاء بعض المقدمات على بعض، وأما هنا فألفاظ صحيحة ومعان صائبة وإمكان موجود" (٢).

ويضيف شارحاً وجهة نظر أهل السنة قائلاً:

"قد ثبت أن أعمال العباد مكتوبة في صحائف تنشر له، فيقع الوزن في الصحائف ويخلق الله فيها الثقل والخفة على حسب عمله بها، وهذا كله مبني على أصل يخالف فيه الفلاسفة والقدرية التي فرت من الوزن لأجله وذلك لأن الثقل والخفة عندهم، إنما هو بكثرة الأجزاء وقلتها، وعندنا بما يخلقه الله فيها، فجرت العادة في الدنيا بأن يتبع كثرة الأجزاء والخفة قلتها، فإذا خرق العادة ارتبط الثقل والخفة وزمان القيامة زمان خرق العادة عندنا وعندهم ... فإن قيل .. فأي حاجة إلى الميزان؟.

قلنا: نصب الميزان ليس لحاجة، ولا نصب الصراط لحجة، وإنما ذلك لحكمة ليرى الخلق عياناً ما كان أخبرهم عنه برهاناً، وللعيان تأثير لا بد


(١) العواصم من القواصم ٣٢٩ - ٣٣٠.
(٢) م، ن: ٣٣٠ - ٣٣١.

<<  <   >  >>