للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به.

ومن العلماء من فصل في هذا المقام بما يجمع بين القولين السابقين لا سيما وأن بعض الصحابة كابن عباس ورد عنه القولان.

ومن الواضح أن لفظ "التأويل" يطلق ويراد به في القرآن معنيان -كما أوضحنا من قبل- أحدهما بمعنى حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: ٥٣] أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد.

فإن أريد بالتأويل هذا المعنى فالوقف على لفظ الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمها على الحقيقة إلا الله عز وجل، ويكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مبتدأ و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} خبره.

ثانيهما: وأما إن أريد بـ (التأويل) معنى التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله تعالى:

{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٣٦] أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى (١) فالوقف على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} لأنهم يعلمون ويفهمون معنى ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} حالاً من الراسخين، وهذا قول حسن، ورأي جيد يجمع بين القراءتين في الآية والأقوال المنقولة عن الصحابة والسلف من (٢) غير تكلف ولا تعسف.

أما الخلف فإنهم لم يختلفوا عن السلف في موضع الوقف، منهم من


(١) وهو المعنى الذي عرفه السلف الصالح كما مر آنفاً.
(٢) انظر ابن كثير ١/ ٣٤٧، الفتاوى: ٣/ ٥٥.

<<  <   >  >>