للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرى الوقف على لفظ الجلالة "الله" ومنهم من يرى الوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وإنما خالفوا السلف في المراد بالمتشابه والتأويل في الآية الكريمة حيث قصدوا بالمتشابه والتأويل معنى لم يقصده السلف (١)، وهو الذي ذهب إليه ابن العربي في قانون التأويل حيث اعتبر آيات الصفات من المتشابه، وراح يستدل على رأيه (٢) بما ورد عن السلف بالنهي عن الخوض في هذه الآيات، كقول الإِمام مالك رضي الله عنه: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة" فنسب إلى الإِمام مالك القول بجعل معرفة معاني آيات الصفات من التأويل الذي استأثر الله بعلمه، وهذا خطأ شنيع وقع فيه الخلف بعامة، والحق أن مالكاً ما كان قصده هذا النفي المطلق، فإنه قال: الاستواء معلوم، فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم، ولم يخبر عن الجملة، ثم قال: والكيف مجهول، ولو قصد ما ذهبوا إليه لقال: الاستواء مجهول؟ أو قال: تفسير الاستواء مجهول؟ أو بيان الاستواء مجهول؟ فالإمام مالك رضي الله عنه لم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء، وهذا شأن جميع القول فيما وصف الله به نفسه، فلو قال قائل في قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] كيف يسمع وكيف يرى؟ لقلنا السمع والرؤيا معلوم والكيف مجهول، ولو قيل: كيف كلم موسى تكليماً، لقلنا التكليم معلوم والكيف غير معلوم، إذاً فالتأويل الذي اختص الله به هو حقيقة الذات والصفات، فإذا قيل لنا ما حقيقة علم الله وقدرته وسمعه وبصره؟ قلنا: هذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.

أما قول ابن العربي بأن الآيات المتشابهات هي التي قال فيها السلف: "أمروها كما جاءت" فهذا بما لا يقوله عالم مطلع على التفسير وما كان عليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن المعلوم لدى صغار الطلبة فضلاً عن علمائهم وأئمتهم بأن السلف قد تكلموا في جميع آيات الصفات وفي نصوص القرآن،


(١) انظر السيوطي: الإتقان: ٢/ ٦.
(٢) صفحة: ٦٦٦.

<<  <   >  >>