للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي حياة زهدية بسيطة، وهو أمر لا يحتاج في نشأته إلى أن يكون متأثراً بعوامل خارجية (١) فقد احتفظت لنا كتب التراجم بكثير من أخبار أفراد رغبوا عن الدنيا، واتجهوا إلى رياضات ومجاهدات قائمة على الكتاب والسنة، وما أثر عن السلف الصالح، وقد كان لهؤلاء مكانة عظيمة بين الشعب الأندلسي في تاريخه المبكر، وأول ما نجده من ذلك، لدى بعض التابعين الذين دخلوا الأندلس وكان فيهم للناس قدوة صالحة، فمن أمثلة هذا ما يروى عن التابعين حنش بن عبد الله الصنعاني (توفي في بداية القرن الثاني) أنه كان إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل، أوقد المصابيح وقرب إناء فيه ماء، فكان إذا وجد النعاس استنشق الماء، وإذا تعب في آية نظر في المصحف (٢).

وكان من الطبيعي لهذا الزهد السني أن يتجه أصحابه في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الأندلس إلى الجهاد في سبيل الله ضد النصارى وفتح البلاد وتحرير العباد من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

وممن نعرفهم من هؤلاء الصالحين الأندلسيين في خلال القرن الثاني الهجري فرقد بن عبد الله السرقسطي العابد الزاهد (٣).

فقد رُوِيَ عنه أنه كان يتصدق بكل ماله، وعيسى بن دينار (ت: ٢١٢) (٤) ناشر مذهب مالك بالأندلس، يروى أنه ظل أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العتمة، بما يدل على أنه كان يقضي الليل كله في العبادة، وخلف بن سعيد القرطبي (ت: ٣٠٥) (٥) كان يختم القرآن كل ليلة،


(١) أعني بالعوامل الخارجية التأثيرات النصرانية واليهودية والفلسفية التي نرى تغلغلها في التصوف الفلسفي فيما بعد.
(٢) ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس: ١/ ١٢٥، الترجمة رقم: ٣٩١، الحميدي: جذوة المقتبس: ١٨٩ - ١٩١، الترجمة رقم ٤٠٣.
(٣) ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس: ١/ ٣٥٣، رقم الترجمة: ١٠٤٥.
(٤) ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس: ١/ ٣٣١، رقم الترجمة: ٩٧٥.
(٥) م، ن: ١/ ١٣٤، رقم الترجمة: ٤٠٥.

<<  <   >  >>