للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يصح أن يوجده غيره؛ لأنه لو كان أيضاً موجوداً لغيره لافتقر ذلك الغير الي مثله، وتسلسل (١) الأمر ولم يتحصل، وعنه وقع البيان بقوله سبحانه: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: ٤٢].

فإنك بأي شيء بدأت، فعند الباري تعالى تقف، ابتداء خلق الأشياء من عنده، وانتهاؤها إليه، وفاتحةُ العلوم من قبله، وغايتها عنده، لا معلوم بعده، فصح أنه لا بد من الوقوف بالعلم على مُوجِدٍ، لا مُوجِدَ سواه.

وإذا رأى العبد ما هو عليه من الخروج من حالة عدم إلى حالة وجود، والانتقال من صفة إلى صفة، والاختصاص بحالة دون حالة، بالمزايا الشريفة من العلم والنطق والتدبير والحياة والقدرة، علم أنه موجود لموجد (٢) قادر، وعليه دل بقوله:

{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [الملك: ١] (٣).


(١) لفظ التسلسل يُرادُ به التسلسل في العلل والفاعلين والمؤثرات بأن يكون الفاعل فاعل، وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية، وهذا متفق على امتناعه بين العقلاء، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية: ١/ ٣٢١، وانظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز: ٧٤ - ٧٦.
(٢) هذا الدليل هو الذي اعتمده مؤسس المذهب الأشعري في كتابه: اللمع: ١٧، ولخصه الشهرستاني في: الملل والنحل: ١/ ١١٩، ونهاية الأقدام: ١٢ له. وقال عنه شيخ الإِسلام ابن تيمية ما يلي: "الاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة، وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية دَلَّ القرآن عليها وهدى الناس إليها" النبوات: ٤٨.
(٣) للتوسع في صفة "القدرة" انظر: الوصول إلى معرفة الأصول: لوحة ٢٦، والمتوسط في الاعتقاد: لوحة ٢٧، والأمد الأقصى: ٥٩/ أ، وسراج المريدين: ١٤٩/ أوكل هذه المؤلفات السابقة لابن العربي.
الأشعري: اللمع ٢٥، التمهيد: ٢٦، والأنصاف: ٣٥ وكلاهما للباقلاني، وأصول الدين للبغدادي: ٩٣، والشامل في أصول الدين للجويني: ٦٢١، ولمع الأدلة له كذلك: ٦٢ والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي: ١١٩، وانظر رأي أهل السنة -السلف- في: شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية: ٢٥.

<<  <   >  >>