للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى، فَلْتُقَدَّم على طلب العلوم معرفةُ أقسامها، وهي على طريق التفصيل لا تُحصى، وإنما مُدْرَكُهَا الجمل، والذي يعلمها على التفصيل والجملة هو الله وحده.

قال الله سبحانه: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ..... } [الكهف: ١٠٩].

وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ..... الآية} [لقمان: ٢٧].

وليست الكلمات ها هنا المعلومات (١) كما ظنه أهل الجهالات، وإنما المعنى فيه ما سردناه في كتاب "المشكلين" لبابه: أن العلم لا بد أن يقوم عنه في النفس خبر، وذلك الخبر هو الكلام (٢)، وهو من الله صدق لموافقته العلم، ويتصور أن يكون في العبد صدق، وهو ما وافق علمه، ويكون كذباً، وهو ما جاء بخلاف العلم، والكذب مستحيل على الله تعالى؛ لأن العبد له حالة علم وشك، وظن وجهل ووسواس، فكل معنى من هذه المعاني قام عنه خبر في نفسه، والصدق منها ما وافق العلم، واستحال على الله كل هذه الحالات إلا العلم فإنه له واجب، فخبره صدق قطعاً، لاستحالة وجود أحدهما دون الآخر، فلهذه القربى والملازمة بين العلم والكلام في الحقيقة، جاز بأن يعبر بأحدهما عن الآخر. وقد زل الجويني في هذه المسألة زلة عظيمة لا تقوم بها استقامة العمر كله، وذلك أنه أشار في كتاب


(١) انظر: القاضي عبد الجبار: تنزيه القرآن: ٢٤٣.
(٢) هذا كلام الأشاعرة الذين أثبتوا الكلام النفسي، مع أن المعروف أن الكلام لا يكون إلاّ حروفاً وأصواتاً دالة على معانٍ.

<<  <   >  >>