"تردد المتكلمون في انحصار الأجناس كالألوان، فقطع قاطعون بأنها غير متناهية في الإمكان كآحاد كل جنس، وزعم آخرون أنها منحصرة، وقال المقتصدون لا ندري أنها منحصرة أم لا. ولم يثبتوا مذهبهم على بصيرة وتحقيق. والذي أراه قطعاً أنها منحصرة، فإنها لو كانت غير منحصرة، لتعلق العلم منها بأجناس لا تتناهى على التفصيل، وذلك مستحيل، فإن استنكر الجهلة ذلك وشمخوا بآنافهم وقالوا: الباري سبحانه عالم بما لا يتناهى على التفصيل، سَفهْنَا عقولهم ... وبالجملة علم الله إذا تعلق بجواهر لا تتناهى فمعنى تعلقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد، مع نفي النهاية، فإن ما يحيل دخول ما لا يتناهى في الوجود، يحيل وقوع تقديرات غير متناهية في العلم، والأجناس المختلفة التي فيها الكلام يستحيل استرسال العلم عليها فإنها متباينة بالخواص، وتعلق العلم بها على التفصيل مع نفي النهاية محال، وإذا لاحت الحقائق فليقل الأخرق بعدها ما شاء". قلت: صَرَّح الجويني في الإرشاد: ٩٨ بأن الله عالم بالكليات والجزئيات فقال: "الباري تعالى متصف بعلم واحد متعلق بما لم يزل ولا يزال، وهو يوجب له حكم الإحاطة بالمعلومات على تفاصيلها". ويقول الشيخ الكوثري في تعليقه على العقيدة النظامية للجويني: ٣٢ ما يلي: "صرح المؤلف في مواضع من هذا الكتاب (أي العقيدة النظامية) بضرورة سبق علم الله التفصيلي، فيكون هذا مذهبه الذي استقر عليه رأيه لتأخر تأليف النظامية عن باقي مؤلفاته، فما في البرهان مما ينافي ظاهره لما هنا -وطال الجدل حوله في شرح المازري ومنتظم ابن الجوزي وطبقات السبكي وغيرها- يكون فلتة بدرت ثم انطوت عفا الله عما سلف". قلت: شرح المازري على البرهان مفقود، وقد وقفت على شرح عَلِي بن إسماعيل الأبياري (مخطوط في مكتبة مراد ملا بتركيا رقم: ٦٧٠) الذي علق على كلام الجويني المذكور بالتعليق التالي: "قول الإِمام بانحصار الأجناس واستدلاله على ذلك بأنها معلومة على التفصيل وذلك مستحيل في غير المتناهي، كلام باطل وقول غير صحيح، والذي عليه أهل الإِسلام أن الله تعالى عالم بالمعلومات على التفصيل، فَاقتَصَرَ عَلَى الدعْوَى في مثل هذا الأمر العظيم ولم يأت بدليل" ٢٨/ ب، ٢٩/ أ. وانظر ابن الجوزي في المنتظم: ٧/ ٢، والسبكي في طبقاته الكبرى: ٣/ ٢٦٦ (ط: الحسينية).