للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجبتُ: وذلك لأن المُتَكَلِّمَ بشيءٍ يشبه بقاطع المسافة ومن ثم إذا كان كلامه أكثر شبه بالمسافر، وجاء في الحديث: "أَفْضَلُ القِرَاءَةِ الحَالّ المُرْتَحِل" [فابتداء قطع المسافة لا يكون إلا بالحركة، إنما جاز التقاء الساكنين إذا كان] (١) الأول حرف مدٍّ ولين والثاني مدغمًا، لأن حرفَ المدّ يتوهم كالمتحرك ألا ترى أن بعض المدة حركة فيكون كلها بمنزلة [لفظة] (١) معها حركة، ومن ثم لم تختلف الرِّواية عن نافع أنه أسكن الياء من {وَمَحْيَايَ} (٢) والمُشَدّد أيضًا يتوهم كذلك؛ لأن اللّسان لا يرتفع بالحرف المشدد إلا صدمةً، وكذلك أجرى يونس {مَثْنَى} في النّسبية مجرى ملهى. في قولهم: االحسن عندك التقى ساكنان لا على حده، وهذا لأنه (٣) لو لم يجز التقاء الساكنين ها هنا لالتبس بالخبر الاستفهام. وأما "حلقتا البطان" فإِنّما استبقي فيها الألف لفظيع الخطب وتشنيع الحادثة بتحقيق التقاء الحلقتين. ونحو نظير التقاء الساكنين ها هنا قولهم اضربان واضربنان على مذهب يونس وجماعة من البصريين ومذهب الكوفيين. في أمثالهم (٤): "إلتَقَتْ حَلْقَتَا البِطَان" والبطان للقَتَب: هو الحزام الذي يجعل تحت بطن البَعير فيه حلقتان إذا التقتا فقد بلغَ الشَدُّ غايَتَه يضرب في الحادثة إذا بلغ النهاية.

قال جارُ اللَّه: "وإن كان غيرُ مدَّةٍ فتحريكه في نحو قولك: لم أبله واذهب اذهب ومن ابنك ومذ اليوم وألم الله {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} (٥) واخشوا الله واخش القوم، ومصطفى الله و {لَوِ اسْتَطَعْنَا} (٦).".


(١) ساقط من (أ).
(٢) جزء من آية ١٦٢ من سورة الأنعام: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ .... }.
(٣) نقل الأندلسي في شرحه ٥/ ١٢٢ شرح هذه الفقرة.
(٤) ينظر: أمثال أبي عبيد ص ٣٤٣، الجمهرة ١/ ١٨٨.
(٥) سورة البقرة: ٢٣٧.
(٦) سورة التوبة: ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>