الاختيار وحرية الفكر، وليس المذهب النَّحوي إلزاميًا للمقلد كالمذهب الفقهي، لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد فيه، فدرجة الاجتهاد في النحو تدرك بأدنى المراتب.
ومن هنا فالخوارزمي متأخر مجتهد إلا أنَّ محبته للتَّجديد والابتكار جعلته يستحسن ما لم يستحسنه غيره ويشذّ في بعض آرائه ويخالف المشهور عند جمهور النُّحاة في كثير من المسائل فتجد في كتابه مثل قوله: أجمع النحويون عن آخرهم وإجماع النحويين باطل، مذهب النحويين …
وأما قول النحويين … لكي يأتي برأيه بعد أن يهدم ما قاله النحاة وإن كان النحويون لم يجمعوا على بعض المسائل التي ذكر إجماعهم فيها، وإنما عبَّر بإجماعهم لكي يظهر الغلبة عليهم، وأنه عرف ما لم يعرفه النحاة مجتمعين؟!
ومن هنا كان منهج الخوارزمي النحوي قائمًا على التجديد والابتكار، والاختيار من آراء المتقدمين، وإن كان في تجديده واختياراته لم يوفّق -في نظري- التوفيق الكامل لأنه يتعمد. المخالفة لذاتها أحيانًا ويقف مكتوف اليدين أمام كثير من المسائل التي ثار عليها وأكَّد عدم صحة تعليلها.
[موقفه من مسائل الخلاف بين البصربين والكوفيين]
عرض الخوارزمي كثيرًا من مسائل الخلاف بين الفريقين، ولم يلح على ذكر ذلك في كل مسألة جرى فيها خلاف بينهما كما فعل ابن الشجري في "الأمالي" وابن الدَّهان في "الغُرّة" وابن إياز في "المحصول" وابن النحاس الحلبي في "التعليقة" وابن فَلاح في "المُغني" وغيرهم.
ولم أجد له مَنهجًا خاصًّا في عرضه لمسائل الخلاف فقد أغفل عددًا غير قليل منها فلم يذكرها البتة، بينما اكتفى في بعض المسائل بالإِشارة العابرة كقوله: "وهذه المسألة فيها خلاف بين البصرية والكوفية (١) وربما
(١) انظر بعض الأمثلة على ذلك في التخمير: ١/ ٦٢، ١٨٥، ١٨٩، ٣٩٠، ٤٢٠. ٢/ ١٢١، ٢٤١.