للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُقْتَضِي لا يَخلو من أن يَكُونَ إحدى الكَلِم الثَّلاث، أو شيئًا آخرَ، لا وَجهَ إلى أن يكونَ شيئًا آخرَ، يَقتضِيهِ الأصْلُ، ولا وجهَ إلى أن يكونَ إحدى الكَلِمِ الثَّلاثِ، لأنَّ الإِسمَ شيءٌ منه لا يقتَضي مرفوعًا -اللَّهم- إلَّا المصدرَ والصّفةُ، وهما لا يَقتضيانه بوضعهما، لأنَّهما لو اقْتَضَيَا بوضعِهِما مرفوعًا لما جازَ إخلاؤُهما في موضعٍ غيرِ ذلك المرفوعِ، ولأنَّه لا مرفوعَ لهما سِوى الفاعلِ بالإِجماعِ. [وكذلك الفعلُ لا مرفوعَ له سوى الفاعلِ] (١).

وأمّا الحرفُ فإنَّه لا يخلو من أن يكونَ له اقتضاءُ مرفوعٍ، أو لا يكون، فلئن لم يكن فذاكَ، وإِن كان فالواضعُ كما فَرَغَ من وضع المفاريدِ لم يكن للحرفِ اقتضاءُ مرفوعٍ، لأنَّ الحرفَ حينئذٍ غيرُ موضوعٍ، لأنَّا لا نَعني بالمفاريدِ الاسم والفِعلَ، والواضِعُ كما فَرَغَ إِلى النسبةِ والرابطةِ، والنسبةُ متأخرةٌ عن المنسوبِ والمنسوبِ إليه، فعُلم أنَّ الواضِعَ كما فَرَغَ من وضعِ المفاريد فقد استفزّه إلى وضعِ ما يَدُلُّ على الفاعِل حاجةً لم يستَفِزَّه إلى وَضعِ سائرِ المرفوعاتِ.

وأما بيانُ المقدمةِ الثالثةِ (٢): فلأن الواضعَ يتبعُ الحاجةَ. فإن سألتَ: ما الدليلُ على أنَّ (عن) مقدرةٌ في الفعلِ؟ وإن سلَّمنا أنَّها مقدرةٌ، ولكن لِمَ قلتَ إن ذلك يقْتَضِي وَضْعَ الفاعِلِ عُقيبَ فَراغِ الواضعِ عن المفرداتِ؟ ألا تَرى أنَّ "عن" كما هي مقدَّرةٌ بالإِضافةِ إلى الفاعل، فكذلك على مقدرةٌ فيه بالإِضافةِ إِلى المفعولِ، ثُمَّ ذلك لَا يَقْتَضِي، وضعَ المفعول عقبَ فراغِ الواضعِ عن المفرداتِ، ثُمَّ هذا ينتقضُ بالمبتدأ فإنَّه مُسنَدٌ إليه بما ذكرتُه من التفسيرِ وليس هو بفاعلٍ؟ أجبتُ: أمَّا قوله: لم قلتَ: بأنَّ عن مقدرةٌ في الفعلِ؟ فنقولُ: لأنَّا إذا قلنا: ضَرَبَ زيدٌ فمعناه صدرَ الضَّربُ عن زيدٍ، فزيدٌ في التفسيرِ مُقَابلٌ بزيدٍ في المفسّر فَيبقى في طرفِ التفسير


(١) في (ب).
(٢) في (أ) الثانية وهو سهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>