للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصوبٌ، تقولُ: ما جاءني إلَّا زيدًا أحدٌ، ولئن لم يكُنْ مقدمًا لا يَخلو من أَن يكونَ المُستثنى من جِنسِ المُستثنى منه أو لا يكونُ فلئن كانَ منه لا يَخلو من أن يَكون الكَلامُ تامًا، أو لا يكونُ، والمَعْنِيُّ بالتامِ ما كانَ المُستثنى منه مَذكورًا فيه، وبغَيْرِ التَّام ما لَم يَكُن المُستثنى منه مذكورًا فيه، فلئن كان تامًّا ففي المْستثنى منه (١) وَجهان: إعمالُ إلَّا فيه كقولك: ما جاءني أحدٌ إلَّا زيدًا. وما رأيتُ أحدًا إلَّا زَيدًا وما مررتُ بأحدٍ إلَّا زيدًا بالنصب، والبدل هو الفصيح (٢) تقول ما جاءني أحدٌ إلّا زَيدٌ وما رأيتُ أحدًا إلَّا زيدًا. وما مررتُ بأحدٍ إلَّا زيدٍ فيدورُ إعرابُ المُستثنى مع إعرابِ المُستثنى منه رفعًا ونصبًا وجرًّا. ولئن لم يكن تامًّا لَغى إلَّا، والمعنيَّ بذلك أن تَلغُو عملًا لا مَعنى، تقول: ما جاءني إلَّا زيدٌ، وما رأيتُ إلَّا زيدًا، وما مررتُ إلَّا بزيدٍ وهذا هو الترتيب في مسائِل الاستثناء فالزمه.

تخمير: اعلَم أنَّهم يقولون إنَّ "إلَّا" تَأتِي مرةً بعدَ تمامِ الكلام، وأُخرى قبلَ تمامِهِ، وليس المرادُ بتمامِ الكلامِ ها هنا ما هو المعروفُ من أن يكونَ الفعلُ قد أَخَذَ فاعلَه والمبتدأُ خَبَرَهُ، ولكنَّ المرادَ بِمجِيئِها بعدَ تمامِ الكَلامِ، أن تَجِيءَ من بعدِ أن يكونَ قد ذُكرَ في الكلامِ مُستثنًى منه، وعُلّقَ الحكمُ الذي يُراد إخراجُ المستثنى منه بمذكورٍ (٣).

عدتُ إلى تفسيرِ كلامِه: "جاءني القومُ" كلامٌ موجبٌ، لأنَّه ليسَ فيه أَحَدُ الأشياءِ الثلاثةِ، وقد وَقَعَ الاستثناءُ في هذا الكَلامِ، والاستثناءُ كما تَرى بإلَّا فيكونُ المُستَثنى منه مَذكورًا، والمُستثنَى لا مَحَالَة مَنصوبًا.

أمّا كونُ المُستثنى منه مذكورًا فلأنَّ ذكر المُستثنى منه رَفعُ شُبهةٍ مَرْفُوعٍ إليها. والاستثناءُ رَفعُ شُبهة غير مَرْفُوعٍ إليها، بل هي تَعرُّضُه أن يُدفَعَ إليها، فيكونُ الابتداءُ بالأولى أَولى، وهذا لأنَّك إذا قلتَ: جاءني فقد


(١) في (أ).
(٢) في (ب) الصّحيح.
(٣) في (ب) بمذكوره.

<<  <  ج: ص:  >  >>