للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ.

فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا، وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيمَةِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ وَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ لَأَجْزَأَهُ فَتَعَيَّنَ عِنْدَ عَدَمِهِ، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَتَسَاوَيَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (وَفِي الْإِتْلَافِ) لِلْمُتَقَوِّمِ (بِلَا غَصْبٍ) يَضْمَنُ (بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا وُجُودَ لَهُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ كَالْمَفَازَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ كَمَا فِي الْكَافِي.

(فَإِنْ) نَقَصَ كَأَنْ (جَنَى) عَلَى مُتَقَوِّمٍ بِيَدِ مَالِكِهِ، أَوْ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْيَدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ (وَتَلِفَ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِسِرَايَةٍ) وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ (فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا) وَهُوَ الْمِائَةُ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ؛ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى (وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةً أَمْ لَا إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ مَعَ أَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلَكِنْ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ يَرَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ، وَالْحَاكِمُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَجَاهِرُ بِهِ مُسْتَحِلَّهُ مَذْهَبًا أَوْ تَقْلِيدًا. أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَهَلْ الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يَتْبَعُ مَذْهَبًا كَهَذَا أَوْ يُصْرَفُ لِمُسْتَبِيحٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ اهـ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَوَقِّيَ الْغُرْمِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَغَيْرِهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الْمَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُظْهِرُ تَرْجِيحَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ.

وَأَمَّا إنَاءُ الْخَمْرِ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ كَسْرُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِرَاقَةِ إلَّا بِهِ، أَوْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهِ أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ زَمَانَهُ وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّاتِ (وَلَا تُرَاقُ) الْخَمْرُ وَنَحْوُهَا (عَلَى ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا) أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>