قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ
ــ
[مغني المحتاج]
فَنَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْأَظْهَرِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ كُنْتُ أَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ رَوَاهَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا، وَأُلْحِقَ مَنِيُّ الْخُنْثَى بِمَنِيِّ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَوْ بَالَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ تَنَجَّسَ مَنِيُّهُ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ بِمُلَاقَاةِ الْمَنْفَذِ لَا أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ كَمَا قِيلَ، فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ قَدْ شُقَّ ذَكَرٌ بِالرُّومِ فَوُجِدَ مُخْتَلِفًا، وَلَوْ ثَبَتَ اتِّحَادُهُمَا لَمْ تَلْزَمْ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ تَلَاقِيهِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ تَلَاقِيهِمَا فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ اسْتَنْجَتْ الْمَرْأَةُ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ جَامَعَهَا الرَّجُلُ فَمَنِيُّهُمَا مُتَنَجِّسٌ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ ذَكَرَهُ، وَيَنْجُسُ دُودُ مَيْتَةٍ وَحَبُّ رَوْثٍ وَقَيْءٍ فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ وَإِلَّا فَنَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنْ الْمَأْكُولِ، نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ. وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ مَيْتَةٍ إنْ تَصَلَّبَ، وَبَزْرِ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ، وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ هُنَا وَصَحَّحَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ.
فَائِدَةٌ: يُقَالُ مَذِرَتْ الْبَيْضَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ إذَا فَسَدَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ شَرُّ النِّسَاءِ «الْمَذِرَةُ الْوَذِرَةُ» (١) أَيْ الْفَاسِدَةُ الَّتِي لَا تَسْتَحِي عِنْدَ الْجِمَاعِ (وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ) لَبَنِ (الْآدَمِيِّ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ. أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ.
قَالَ تَعَالَى: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: ٦٦] وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ، إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا، وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَلَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الصَّيْمَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَلْبَانُ الْآدَمِيِّينَ وَالْآدَمِيَّاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي طَهَارَتِهَا وَجَوَازِ بَيْعِهَا.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ: لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَالذَّكَرِ نَجِسٌ مُفَرَّعٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute