للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ.

وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ حَرِيرٍ وَصُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ دَاعِيَةٌ إلَى بِدْعَةٍ وَلَا يَقْدِرُ الْمَدْعُوُّ عَلَى رَدِّهِ، وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُضْحِكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ آنِيَةُ نَقْدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (فَإِنْ كَانَ) الْمُنْكَرُ (يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ) حَتْمًا إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِحُضُورِهِ حَرُمَ الْحُضُورُ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى حَضَرَ نَهَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا وَجَبَ الْخُرُوجُ إلَّا إنْ خَافَ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ وَخَافَ وَقَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْمَعُ لِمَا يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ وَالْأَكْلِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي جِوَارِ بَيْتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ حَرُمَ الْحُضُورُ عَلَى مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ نَاقِلًا لَهُ نَقْلَ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قُلْتُهَا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ، فَقُلْت لَهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَالَهَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فَسَكَتَ، وَيُؤَيَّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ.

(وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ) أَيْ فِرَاشُ (حَرِيرٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ افْتِرَاشِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ فِي كِتَابِ السِّيَرِ: لَا يُنْكَرُ إلَّا الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا لَمْ يُخَالِفْ سُنَّةً صَحِيحَةً، وَالسُّنَّةُ قَدْ صَحَّتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الِافْتِرَاشِ، فَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافٍ يُصَادِمُ النَّصَّ، وَلِهَذَا حَدَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَارِبَ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ الْفُرْجَةَ عَلَى الزِّينَةِ حَرَامٌ أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ لِلرِّجَالِ، فَأَمَّا دَعْوَةُ النِّسَاءِ خَاصَّةً فَيَنْبَنِي عَلَى افْتِرَاشِهِنَّ لِلْحَرِيرِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَهُنَّ فَلَا فَرْقَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالِافْتِرَاشِ يُخْرِجُ سِتْرَ الْجِدَارِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَوْ حَذَفَ الْحَرِيرَ وَقَالَ كَالْغَزَالِيِّ: وَفَرْشُ غَيْرِ حَلَالٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ فَرْشَ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ، وَفَرْشَ جُلُودِ النُّمُورِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ الْمَصْدَرُ أَعْنِي الْفَرْشَ لَا الْفِرَاشَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَطْوِيًّا وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ (وَ) مِنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ (صُورَةُ حَيَوَانٍ) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ مَعْهُودٍ كَفَرَسٍ أَمْ لَا كَآدَمِيٍّ بِجَنَاحَيْنِ مَرْفُوعَةٌ كَأَنْ كَانَتْ (عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ) مَنْصُوبَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ سِتْرٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ مُعَلَّقٌ لِزِينَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ) عَلَى (ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ، فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّا أَذْنَبْت. فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ هَذِهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>