للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ.

وَيُسَنُّ صَيِّتٌ حَسَنُ الصَّوْتِ

ــ

[مغني المحتاج]

الرَّاتِبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ إذَا عَرَفَهَا بِخَبَرِ ثِقَةٍ كَغَيْرِ الرَّاتِبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ حَتَّى الْمُتَوَلِّي فِي تَتِمَّتِهِ، فَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ رَاتِبًا أَوْ غَيْرَهُ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ بِأَمَارَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ رَاتِبًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا بِالْأَمَارَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْوَقْتَ، وَلَكِنْ يُنْصَبُ لَهُمْ مُوَقِّتٌ يُخْبِرُهُمْ بِالْوَقْتِ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اُعْتُدَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَالْأَذَانِ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ.

(وَيُكْرَهُ) الْأَذَانُ (لِلْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ لِخَبَرِ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» أَوْ قَالَ «عَلَى طَهَارَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ التَّطَهُّرُ مِنْ الْخَبَثِ أَيْضًا (وَ) الْكَرَاهَةُ (لِلْجُنُبِ أَشَدُّ) مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ (وَالْإِقَامَةُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَغْلَظُ) أَيْ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْأَذَانِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَسَاوِيهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَغْلَظَ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ، وَمَنْ بِهِ نَحْوُ سَلَسِ بَوْلٍ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ الْأَذَانُ أَوْ الْإِقَامَةُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْدِثِ أَوْ الْجُنُبِ مَنْ لَا تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ.

وَيُجْزِئُ أَذَانُ وَإِقَامَةُ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ وَالْجُنُبِ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ حَدَثٌ وَلَوْ أَكْبَرَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّلَاعُبَ، فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ بَنَى وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى.

(وَيُسَنُّ) لِلْأَذَانِ مُؤَذِّنٌ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ (صَيِّتٌ) أَيْ عَالِي الصَّوْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا» (١) أَيْ أَبْعَدُ، وَلِزِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ (حَسَنُ الصَّوْتِ) لِيَرِقَّ قَلْبُ السَّامِعِ وَيَمِيلَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُلْوَ الْمَقَالِ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ (٢) ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>