للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدْلٌ.

وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عِشْرِينَ رَجُلًا فَأَذَّنُوا فَأَعْجَبَهُ صَوْتُ أَبِي مَحْذُورَةَ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ» (عَدْلٌ) لِيُقْبَلَ خَبَرُهُ عَنْ الْأَوْقَاتِ، وَيُؤْمَنَ نَظَرُهُ إلَى الْعَوْرَاتِ، وَيُكْرَهُ أَذَانُ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى لَيْسَ مَعَهُ بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْمَوَاقِيتِ.

فُرُوعٌ: يُكْرَهُ تَمْطِيطُ الْأَذَانِ: أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي بِهِ: أَيْ التَّطْرِيبُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ وَلَدِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ الْقُرَظِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلَادِ مُؤَذِّنِي أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ لِلْمُقِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ أَذَانُهُ رَاكِبًا لِلْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوبِ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ أَذَّنَ مَاشِيًا أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ مَكَانِ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ يَسْمَعُ أَوَّلَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وَهُوَ يَمْشِي، وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ وَبِقَدْرِ أَدَاءِ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقُعُودٍ لَطِيفٍ لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَلِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا عَادَةً، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا.

(وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ الْأَذَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّيْءِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذَا السُّبْكِيُّ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ السَّلَامَةَ فِي تَرْكِهَا، وَنَقَلَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بَعْدَ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ: هَؤُلَاءِ بِالنُّبُوَّةِ، وَهَؤُلَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ بِعِمَادِ الدِّينِ (قُلْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْأَذَانَ (أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: ٣٣] [فُصِّلَتْ] قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: هُمْ الْمُؤَذِّنُونَ، وَلِخَبَرِ «إنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَلِدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْإِمَامِ بِالْإِرْشَادِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: دَعَا لِلْإِمَامِ بِالرُّشْدِ خَوْفَ زَيْغِهِ، وَلِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ حَالِهِ.

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ يَحْتَاجُ إلَى فَرَاغٍ وَكَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ، وَضُعِّفَ هَذَا بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقِيلَ: أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ أَنَّ الْأَذَانَ مَعَ الْإِقَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّنْبِيهِ، وَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَطَابَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالْمَشْرُوطِ وَالْخَطِيبُ يَأْتِي بِالشَّرْطِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَشْرُوطِ أَوْلَى، وَقِيلَ: الْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>