وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ إلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ فَضَّلَ الْمُصَنِّفُ الْأَذَانَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الرَّافِعِيَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَصْحِيحُهُ فَرْضِيَّةَ الْجَمَاعَةِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ وَإِنَّمَا يُرَجِّحُهُ عَلَيْهَا مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهَا؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَفْضِيلِ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ، فَقَدْ فُضِّلَ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى الْجَوَابِ، وَإِبْرَاءُ الْمُعْسِرِ عَلَى إنْظَارِهِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِمَا سُنَّةٌ، وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ.
فُرُوعٌ: يُسَنُّ لِمَنْ صَلُحَ لِلْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يُبَاحُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ أَذَّنَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَأَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذَّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ.
وَوَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ، وَالْإِقَامَةُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اُعْتُدَّ بِهِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (الْوَقْتُ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى سُقُوطِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ، لَا لِلْوَقْتِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُؤَذِّنْ وَإِلَّا أَذَّنَ (إلَّا الصُّبْحَ) أَيْ أَذَانَهُ (فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) يَصِحُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» (١) زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ وَقْتُهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصُّبْحِ إذْ مُعْظَمُ اللَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ وَقَرُبَ الْأَذَانُ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الصُّبْحِ، وَلِهَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ بَعْدَهُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا.
قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ: فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ خِلَافًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ، فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهَا لَيَنْتَبِهُوا وَيَتَأَهَّبُوا لِيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ فَلَا تُقَدَّمُ بِحَالٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ، فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعَهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَيَتَأَهَّبُ ثُمَّ يَرْقَى، وَقِيلَ: يَدْخُلُ وَقْتُ أَذَانِهِ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى