وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ الدِّيَةُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ، وَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ، وَفِي إزَالَةِ عَيْنِ الْأَعْشَى بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا عَلَى إبْصَارِهَا بِالنَّهَارِ وَعَدَمِ إبْصَارِهَا بِاللَّيْلِ، وَإِنْ أَعْمَشَهُ أَوْ أَخْفَشَهُ أَوْ أَحْوَلَهُ أَوْ أَشْخَصَ بَصَرَهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ، وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا فِي عَوْدِ الضَّوْءِ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ. حَادِثَةٌ: سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ، فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا؟
فَأَجَابَ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِتَدَاوِيهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ.
الشَّيْءُ الرَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إزَالَةِ (الشَّمِّ) مِنْ الْمَنْخَرَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى رَأْسٍ وَغَيْرِهِ (دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ.
وَالثَّانِي: لَا بَلْ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ، إذْ مَنْفَعَتُهُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ وَالْأَنْتَانِ أَكْثَرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَيَكُونُ التَّأَذِّي أَكْثَرَ مِنْ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخَرٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَإِنْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخَرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غُفْلَانِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ، فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ، وَلَوْ وَضَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ لَهُ الْجَانِي: فَعَلْتُ ذَلِكَ لِعَوْدِ شَمِّك، فَقَالَ: بَلْ فَعَلْتُهُ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَامْتِخَاطٍ وَرُعَافٍ وَتَفَكُّرٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ كَمَا فِي السَّمْعِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ. فَائِدَةٌ: الشَّمُّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّاتِئَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْنِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الثَّقْبِ يُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي الشَّخْصِ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةَ.
الشَّيْءُ الْخَامِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الْكَلَامِ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ (الدِّيَةُ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إنْ مُنِعَ الْكَلَامُ» . وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute