وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ ضَمِنَ.
وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ ضَمِنَ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَزَّعَ إنْسَانًا فَأَحْدَثَ فِي ثِيَابِهِ فَأَفْسَدَهَا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقِصْهُ جَمَالًا وَلَا مَنْفَعَةً.
(وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا) حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرُهُ (فِي مَسْبَعَةٍ) بِمِيمٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: اسْمٌ لِأَرْضٍ كَثِيرَةِ السِّبَاعِ، وَجَوَّزَ فِي الْمُحْكَمِ ضَمَّ الْمِيمِ وَكَسْرَ الْمُوَحَّدَةِ (فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِإِهْلَاكٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُلْجِئُ السَّبُعَ، بَلْ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَنْفِرُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي الْمَكَانَ الْوَاسِعِ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ أَمْ لَا (وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ) عَنْهُ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْوَضْعَ - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - يُعَدُّ إهْلَاكًا عُرْفًا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ كَمَا لَوْ فَتَحَ عِرْقَهُ فَلَمْ يَعْصِبْهُ حَتَّى مَاتَ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاحْتَرَزَ بِمَسْبَعَةٍ عَنْ وَضْعِ صَبِيٍّ بِمَضْيَعَةٍ لَا سِبَاعَ فِيهَا فَاتَّفَقَ افْتِرَاسُ سَبُعٍ لَهُ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ الصَّبِيَّ أَوْ الْبَالِغَ فِي زَرِيبَةِ السَّبُعِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ أَلْقَى السَّبُعَ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَى السَّبُعِ فِي مَضِيقٍ، أَوْ حَبَسَهُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَذَفَهُ لَهُ حَتَّى اضْطَرَّ إلَى قَتْلِهِ، وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ فَقَتَلَهُ فِي الْحَالِ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ كَانَ جُرْحُهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ عَلَى حَيَّةٍ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ أَوْ قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ فِي مَكَان فِيهِ حَيَّاتٌ وَلَوْ ضَيِّقًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ.
فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسِعِ كَمَا فِي السَّبُعِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا تَنْفِرُ بِطَبْعِهَا مِنْ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسِعِ، فَإِنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فِيهِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ، وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ الْمُغْرِي فِي الْمَضِيقِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيْ السَّبُعِ فِي مَكَانٍ مُتَّسِعٍ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَلْسَعَهُ حَيَّةً مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَشِبْهُهُ.
(وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ) أَوْ نَحْوِهِ مُكَلَّفًا بَصِيرًا أَوْ مُمَيِّزًا (هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ كَبِئْرٍ (أَوْ مِنْ سَطْحٍ) عَالٍ أَوْ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَمَاتَ أَوْ لَقِيَهُ لِصٌّ فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَبُعٌ فَافْتَرَسَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى (فَلَا ضَمَانَ) لَهُ عَلَى التَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَتَيْنِ بَاشَرَ هَلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَجَاءَ آخَرُ وَرَدَى نَفْسَهُ فِيهَا، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّابِعِ إهْلَاكٌ، وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ أَوْ اللِّصِّ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمَا تَمْيِيزٌ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ (فَلَوْ وَقَعَ) الْهَارِبُ فِيمَا ذُكِرَ (جَاهِلًا) بِهِ (لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ) فِي نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ أَوْ لِتَغْطِيَةِ بِئْرٍ (ضَمِنَ) التَّابِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute