للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ وَقَدْ أَلْجَأَهُ الْمُتَّبِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ (وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ) أَيْ الْهَارِبِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا (سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ) وَمَاتَ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ التَّابِعُ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْهَرَبِ وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ مُغَطَّاةٍ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِالْمُهْلِكِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُ الِانْخِسَافِ ضَعْفُ السَّقْفِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمَطْلُوبُ، أَمَّا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى السَّقْفِ مِنْ عُلُوٍّ فَانْخَسَفَ لِثِقَلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ التَّابِعُ قَطْعًا لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَصْلًا لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَمَضْمُونٌ، إذْ عَمْدُهُ خَطَأٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ.

(وَلَوْ سُلِّمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ) السِّبَاحَةَ، وَهِيَ الْعَوْمُ (فَغَرِقَ) بِتَعْلِيمِهِ أَوْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ (وَجَبَتْ دِيَتُهُ) عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِإِهْمَالِهِ وَقَدْ الْتَزَمَ بِحِفْظِهِ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ شِبْهَ عَمْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ بِضَرْبِ الْمُعَلِّمِ تَأْدِيبًا، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى السَّابِحِ. أُوِّلَ عَلَى أَنَّهَا تُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً، وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ السَّابِحُ بِيَدِهِ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّطَّ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِدُخُولِ الْمَاءِ فَدَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَغَرِقَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَحْثِ الْبَسِيطِ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْ مَعَ أَنَّ الْخَطَرَ فِيهَا أَكْثَرُ، وَهُنَا الْخَطَرُ قَلِيلٌ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مُهْلِكٌ، فَالتَّفْرِيطُ مِنْ السَّبَّاحِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْبَعَةُ بِنَفْسِهَا مُهْلِكَةً لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ السَّبَّاحِ تَقْصِيرٌ، فَلَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ عَمْدًا فَغَرِقَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: سُلِّمَ بِأَنَّ السَّبَّاحَ لَوْ تَسَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لَا ضَمَانَ، وَقَوْلُهُ إلَى سَبَّاحٍ بِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُعَلِّمَ لِلسِّبَاحَةِ فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الضَّمَانُ، وَأَشْعَرَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسَلِّمِ لِلصَّبِيِّ وَلِيَّهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي تَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ هُوَ وَالسَّبَّاحُ شَرِيكَيْنِ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، فَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ هُدِرَ لِاسْتِقْلَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ. فَائِدَةٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} [النازعات: ٣] فَقِيلَ النُّجُومُ لِأَنَّهَا تَسْبَحُ فِي الْفَلَكِ، وَقِيلَ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَجِيءُ وَتَذْهَبُ، وَقِيلَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَقِيلَ السَّحَابُ لِأَنَّهَا كَالْقَائِمَةِ فِي الْهَوَاءِ، وَقِيلَ الْمَنَايَا تَسْبَحُ فِي نُفُوسِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: جَمَاعَةُ الْخَيْلِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَرَسِ سَابِحٌ، وَقِيلَ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَهِيَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>