وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ، لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَظِيمِ الْمَخْلُوقَاتِ. فَيُرْوَى " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَثَّ فِي الدُّنْيَا أَلْفَ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ: مِنْهَا أَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، وسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ.
(وَيَضْمَنُ) الشَّخْصُ (بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ) كَحَفْرِهَا بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ فِي شَارِعٍ ضَيِّقٍ أَوْ وَاسِعٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا مِنْ آدَمِيٍّ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْآدَمِيَّ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ إنْ كَانَ حُرًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ رَقِيقًا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ كَبَهِيمَةٍ أَوْ مَالِ آخَرَ فَيُضْمَنُ بِالْغُرْمِ فِي مَالِ الْحَافِرِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الضَّمَانِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْعُدْوَانُ إلَى السُّقُوطِ فِيهَا، فَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهَا زَالَ الضَّمَانُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ الْبُقْعَةَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُوجَدَ هُنَاكَ مُبَاشَرَةٌ بِأَنْ رَدَّاهُ فِي الْبِئْرِ غَيْرُ حَافِرِهَا، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرَدِيِّ لَا الْحَافِرِ، وَأَنْ يَتَجَرَّدَ التَّرَدِّي لِلْإِهْلَاكِ، فَلَوْ تَرَدَّتْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ وَبَقِيَتْ فِيهَا أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَتْ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَضْمِينِ الْحَافِرِ بَيْنَ الْمُتَرَدِّي فِيهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَسِيطِ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالتَّرَدِّي نَهَارًا، وَقَوْلُهُ عُدْوَانٍ هُوَ بِالْجَرِّ صِفَةُ حَفْرٍ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَلَوْ تَرَدَّى شَخْصٌ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ الْمَالِكُ: حَفَرَ بِإِذْنِي لَمْ يُصَدَّقْ، وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ تَعَدَّى الدَّاخِلُ بِدُخُولِهِ فَوَقَعَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْحَافِرُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهَا، فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَالِكِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ (فِي مِلْكِهِ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَمَحَلُّهُ إذَا عَرَّفَهُ الْمَالِكُ أَنَّ هُنَاكَ بِئْرًا أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَالدَّاخِلُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَرُّزِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ وَالدَّاخِلُ أَعْمَى، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَمَا إذَا لَمْ يُوَسِّعْ حَفْرَهَا، فَإِنْ وَسَّعَهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أَوْ قَرَّبَهَا مِنْ جِدَارِ جَارِهِ خِلَافَ الْعَادَةِ أَوْ وَضَعَ فِي أَصْلِ جِدَارِ غَيْرِهِ سِرْجِينًا أَوْ لَمْ يَطْوِ بِئْرَهُ، وَمِثْلُ أَرْضِهَا يَنْهَارُ إذَا لَمْ يُطْوَ ضَمِنَ فِي الْجَمِيعِ مَا هَلَكَ بِذَلِكَ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ إلَّا إذَا أَوْقَدَهَا وَأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدٍ فَيَضْمَنُ، لَا إنْ اشْتَدَّ الرِّيحُ بَعْدَ الْإِيقَادِ فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إطْفَاؤُهَا فَتَرَكَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَفِي تَضْمِينِهِ نَظَرٌ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَضْمِينِهِ كَمَا لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ وَأَمْكَنَهُ إصْلَاحُهُ وَلَمْ يُصْلِحْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَالْمَالِكِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتَهُ أَبَدًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَ) لَا يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي (مَوَاتٍ) لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ، فَإِنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «الْبِئْرُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» أَيْ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْمَوَاتِ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ تَمَلُّكٌ وَلَا ارْتِفَاقٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِلِارْتِفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ جَائِزٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute