للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعُثِرَ بِهِ وَوَقَعَ الْعَاثِرُ بِهَا فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ فَالْمَنْقُولُ تَضْمِينُ الْحَافِرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

إنْسَانٌ فَمَاتَ أَوْ انْكَسَرَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَلْقَى النُّخَامَةَ عَلَى الْمَمَرِّ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقَاسُ بِالنُّخَامَةِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَالضَّمَانُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ تَارِكِهِ وَالْحَمَّامِيِّ، إذْ عَلَى الْحَمَّامِيِّ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ، وَالْوَجْهُ إيجَابُهُ عَلَى تَارِكِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، إذْ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ كُلَّ يَوْمٍ مُعْتَادٌ. وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ نَهَى الْحَمَّامِيُّ عَنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَا نَهَى فَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ تَنْقِيَةِ الْحَمَّامِ عَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْعَادَةِ لَا عَلَى الْمُغْتَسِلِ، ثُمَّ مَا سَبَقَ حَيْثُ الْمُهْلِكُ سَبَبٌ وَاحِدٌ. .

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ، فَقَالَ (وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ) بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ مُهْلِكًا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) مِنْهُمَا فِي التَّلَفِ لَا الْوُجُودِ بِحَالِ الْهَلَاكِ إذَا تَرَجَّحَ بِالْقُوَّةِ، وَذَلِكَ (بِأَنْ حَفَرَ) شَخْصٌ بِئْرًا (وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا) مَثَلًا عَلَى طَرَفِ الْبِئْرِ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (عُدْوَانًا) كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ بَعْضِهِمْ الْعُدْوَانَ حَالًا مِنْ الْوَضْعِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَ الْحَفْرِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ (فَعُثِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ (وَوَقَعَ الْعَاثِرُ) بِغَيْرِ قَصْدٍ (بِهَا) أَيْ الْبِئْرِ فَهَلَكَ (فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ) لِأَنَّ التَّعَثُّرَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى الْوُقُوعِ فِيهَا الْمُهْلِكِ لَهُ فَوَضْعُ الْحَجَرِ سَبَبٌ أَوَّلٌ لِلْهَلَاكِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ بِمَا ذُكِرَ، وَحَفْرُ الْبِئْرِ سَبَبٌ ثَانٍ لَهُ، فَلَوْ تَرَجَّحَ الْحَفْرُ بِالْقُوَّةِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَوَضَعَ آخَرُ سِكِّينًا فِيهَا وَمَاتَ الْمُتَرَدِّي بِالسِّكِّينِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهُ إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْحَافِرُ كَأَنْ كَانَ مَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا. أَمَّا الْمَالِكُ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ، فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ، بَلْ هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ اسْتَوَى السَّبَبَانِ كَأَنْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ فَضَمَانُ مَنْ تَرَدَّى فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ تَفَاضَلَا فِي الْحَفْرِ: كَأَنْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعًا وَالْآخَرُ ذِرَاعَيْنِ كَالْجِرَاحَاتِ، وَلَوْ طُمَّتْ بِئْرٌ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَنَبَشَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ بِالطَّمِّ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّامُّ الْحَافِرَ أَمْ غَيْرَهُ.

تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَاضِعَ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَلَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَوَضَعَ حَرْبِيٌّ أَوْ سَبُعٌ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: بِغَيْرِ قَصْدٍ مَا لَوْ رَأَى الْعَاثِرُ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ) لِلْحَجَرِ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (فَالْمَنْقُولُ) كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (تَضْمِينُ الْحَافِرِ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ الْوَاضِعِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَافِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>