فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ، وَقَتْلُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ فِي الْأَظْهَرِ، بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا وَرِقًّا وَمَنًّا وَفِدَاءً،
ــ
[مغني المحتاج]
وَفَعَلُوا ذَلِكَ جَهْرًا (فَالْأَصَحُّ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ (أَنَّهُ إنْ شُرِطَ) عَلَيْهِمْ (انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا فَلَا) يُنْتَقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَالثَّالِثُ لَا يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَحَ كَافِرَةً، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ مُطْلَقًا، فَقَدْ يُسْلِمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهُ، أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا وَيُعَزَّرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ، وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً، وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ فِي شَرْطِ مَا ذُكِرَ وَعَدَمِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَجِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي مُطْلَقِ الشَّرْعِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ) بِغَيْرِهِ (وَ) جَازَ أَيْضًا (قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] وَلَا يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيمَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ مِنْ الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي الْأَسِيرِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْجِهَادَ عِنْدَ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي كَانَتْ لَهَا ذِمَّةٌ ثُمَّ انْتَقَضَتْ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِمْ وَالسَّعْيِ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ (أَوْ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِتَالِ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ (لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ: أَيْ مَكَانًا يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ: أَقْرَبُ بِلَادِ الْحَرْبِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَلْزَمُنَا إلْحَاقُهُ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِلَادِ الْكُفْرِ وَمَسْكَنِهِ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُحْتَاجُ لِلْمُرُورِ عَلَيْهِ (بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا) وَأَسْرًا (وَرِقًا، وَمَنًّا، وَفِدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ: كَمَا لَوْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا، وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute