وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ أَقْوَامًا عَاهَدُوا وَلَمْ يُوفُوا، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» .
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النِّعْمَةَ. وَخَصَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى نُذُورٍ، فَلَا يَصِحُّ فِي النِّعَمِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ طَرَدَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَهُوَ أَفْقَهُ اهـ.
وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ اسْتِمْرَارُ النِّعْمَةِ وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَنْذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَالِيًّا كَمَا قَالَاهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ كَانَا صَحَّحَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ.
فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ شَيْئًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ فَشُفِيَ. ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا؟ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ اهـ.
وَهَذَا أَوْجَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ) النَّاذِرُ (بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ) أَيْ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ (عَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ (لَزِمَهُ) مَا الْتَزَمَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ الْعِوَضِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى وَشَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ.
فَائِدَةٌ: الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّعِ رَجَعَ فِيهَا إلَى قَصْدِ النَّاذِرِ، فَالْمَرْغُوبُ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ، وَضَبَطُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: صَلِّ فَيَقُولَ: لَا أُصَلِّي. وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا، وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا فَإِنَّهُ لَا يَبِرُّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ، وَالْإِثْبَاتِ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ: إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ، وَالنَّفْيُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشُّرْبِ، فَيَقُولَ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute