للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وَلَا وَاجِبٍ، وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ، أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ

ــ

[مغني المحتاج]

كَسْرِ شَهْوَتِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ: إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ: إنْ يَسَّرَ اللَّهُ لِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ: إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِحَدِيثِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» ، فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ.

وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ خَبَرِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ.

تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَذُكِرَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ، وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَا) يَصِحُّ نَذْرُ (وَاجِبٍ) عَلَى الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: كَالصُّبْحِ أَوْ صَوْمِ أَوَّلِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِهِ. أَمَّا وَاجِبُ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَيُصْبِحُ كَمَا إذَا نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ عَنْ حَدَثٍ خَرَجَ بِهِ عَنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَمَّا وَاجِبُ الْكِفَايَةِ فَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ بِالنَّذْرِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، سَوَاءٌ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى بَذْلِ مَالٍ وَمُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى أَمْ لَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا. وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْ خِصَالِهِ هَلْ يَنْعَقِدُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، رَجَّحَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ، وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْقَاضِي الثَّالِثَ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يُغَيَّرُ (وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ) كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ (أَوْ تَرْكَهُ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْحَلْوَى (لَمْ يَلْزَمْهُ) الْفِعْلُ وَلَا التَّرْكُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى»

<<  <  ج: ص:  >  >>