للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ قَالَ حُبِسْت بِحَقٍّ أَدَامَهُ، أَوْ ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِأَهْلِ الْحَبْسِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْعَهْدِ يَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ، وَهُوَ مَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَهُ مِنْ الْمَحَاضِرِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، وَالسِّجِلَّاتِ - وَهِيَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْحُكْمِ - وَحُجَجَ الْأَيْتَامِ وَأَمْوَالَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحُجَجِ الْمُودَعَةِ فِي الدِّيوَانِ كَحُجَجِ الْأَوْقَافِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيَتَسَلَّمُهَا لِيَحْفَظَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا.

وَهَذَا التَّقْدِيمُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْآدَابِ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَقَرَّهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَا دَعَتْ إلَيْهِ مَصْلَحَةٌ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى أَهْلِ الْحَبْسِ مَا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ عَذَابٌ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْهُمْ أَيْضًا كُلُّ مَا كَانَ أَهَمُّ مِنْهُ كَالنَّظَرِ فِي الْمَحَاجِيرِ وَالْجَائِعِينَ الَّذِينَ تَحْتَ نَظَرِهِ، وَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي التَّرِكَاتِ وَغَيْرِهَا، وَمَا أَشْرَفَ مِنْ الْأَوْقَافِ وَأَمْلَاكِ مَحَاجِيرِهِ عَلَى السُّقُوطِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْفَوْرُ فِي تَدَارُكِهِ. وَكَيْفِيَّةُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ أَنْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ أَلَا إنَّ الْقَاضِيَ فُلَانًا يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ وَيَبْعَثُ إلَى الْحَبْسِ أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ يَكْتُبُ فِي رِقَاعٍ أَسْمَاءَهُمْ وَمَا حُبِسَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ وَمَنْ حُبِسَ لَهُ فِي رُقْعَةٍ، فَإِذَا جَلَسَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ وَحَضَرَ النَّاسُ نَصَبَ تِلْكَ الرِّقَاعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَأْخُذُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَيَنْظُرُ فِي اسْمِ الْمُثْبَتِ فِيهَا، وَيَسْأَلُ عَنْ خَصْمِهِ، فَمَنْ قَالَ: أَنَا خَصْمُهُ بَعَثَ مَعَهُ ثِقَةً إلَى الْحَبْسِ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ وَيُخْرِجَهُ، وَهَكَذَا يُحْضِرُ مِنْ الْمَحْبُوسِينَ بِقَدْرِ مَا يَعْرِفُ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَحْتَمِلُ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِمْ، وَيَسْأَلُهُمْ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ.

(فَمَنْ قَالَ حُبِسْت بِحَقٍّ) فَعَلَ بِهِ مُقْتَضَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ، أَوْ تَعْزِيرًا وَرَأَى إطْلَاقَهُ فَعَلَ، أَوْ مَالًا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوفِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ (أَدَامَهُ) إلَى الْحَبْسِ وَإِلَّا نُودِيَ عَلَيْهِ: لِاحْتِمَالِ خَصْمٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أُطْلِقَ (أَوْ) قَالَ حُبِسْتُ (ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ) إنْ كَانَ حَاضِرًا أَنَّهُ حَبَسَهُ بِحَقٍّ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا صُدِّقَ الْمَحْبُوسُ بِيَمِينِهِ وَأُطْلِقَ، وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ بِيَمِينِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ مَعَهُ حُجَّةً سَابِقَةً، وَهِيَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَبَسَهُ (فَإِنْ كَانَ) خَصْمُهُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ طَالَبَهُ بِكَفِيلِهِ أَوْ رَدَّهُ إلَى الْحَبْسِ وَ (كَتَبَ إلَيْهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَى قَاضِي بَلَدِ خَصْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: إلَى خَصْمِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِيَحْضُرَ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أُطْلِقَ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّ إحْضَارَهُ مِنْ الْعَجَائِبِ إذْ يَصِيرُ الْمَحْبُوسُ الْمَطْلُوبُ طَالِبًا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا، وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلْزَامَهُ بِالْحُضُورِ، بَلْ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِيَلْحَقَ بِحُجَّتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>