ثُمَّ فِي الْأَوْصِيَاءِ، فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً سَأَلَ عَنْهَا وَعَنْ حَالِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَمَنْ وَجَدَهُ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ، أَوْ ضَعِيفًا عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي إدَامَةِ حَبْسِ الْمَحْبُوسِ إنْ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ، وَيَكْفِي الْمُدَّعِي إقَامَةُ بَيِّنَةٍ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ الَّذِي حَبَسَ بِهِ أَوْ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
(ثُمَّ) بَعْدَ النَّظَرِ فِي أَهْلِ الْحَبْسِ يَنْظُرُ (فِي) حَالِ (الْأَوْصِيَاءِ) عَلَى الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالِهِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُمْ أَوْلَى مِمَّا بَعْدَهُمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَبْدَأُ فِي الْأَوْصِيَاءِ وَنَحْوِهِمْ بِمَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْبُوسِينَ أَنَّ الْمَحَابِيسَ يَنْظُرُ لَهُمْ، وَالْأَوْصِيَاءَ وَنَحْوَهُمْ يَنْظُرُ عَلَيْهِمْ.
تَنْبِيهٌ سَبِيلُ تَصَرُّفِهِ فِي مَالٍ عِنْدَهُ لِيَتِيمٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، إذْ الْعِبْرَةُ بِمَكَانِ الطِّفْلِ لَا الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْوِصَايَةِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِهِ (فَمَنْ ادَّعَى) مِنْهُمْ (وِصَايَةً) بِكَسْرِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا اسْمٌ مِنْ أَوْصَيْتُ لَهُ جَعَلْتُهُ وَصِيًّا (سَأَلَ عَنْهَا) مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ هَلْ ثَبَتَتْ وِصَايَةٌ بِهَا أَوْ لَا؟ (وَ) سَأَلَ (عَنْ حَالِهِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (وَ) عَنْ (تَصَرُّفِهِ) فِيهَا، فَإِنْ قَالَ: صَرَفْتُ مَا أَوْصَى بِهِ، فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ لَمْ يَعْتَرِضْ لَهُ، وَهُوَ - كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - ظَاهِرٌ إنْ كَانُوا أَهْلًا لِلْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ كَانُوا مَحْجُورِينَ فَلَا أَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، وَهُوَ عَدْلٌ أَمْضَاهُ أَوْ فَاسِقٌ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ، وَلَوْ فَرَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ لِمُعَيَّنِينَ نَفَذَ أَوْ لِعَامَّةٍ ضَمِنَ، وَإِذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ بَاقِيًا تَحْتَ يَدِ الْوَصِيِّ (فَمَنْ وَجَدَهُ) عَدْلًا قَوِيًّا أَقَرَّهُ أَوْ (فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ) وُجُوبًا وَوَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِمَّنْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَمَانَةُ، وَقِيلَ: يَنْزَعُ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَالَتُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَمَحِلُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَعَ الشَّكِّ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَدَلَ الشَّاهِدُ ثُمَّ شَهِدَ وَاقِعَةً أُخْرَى بِحَيْثُ طَالَ الزَّمَانُ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِزْكَاءِ؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوِصَايَةَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ الْحَالُ فِيهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ، وَلَوْ كَلَّفْنَا الْوَصِيَّ ذَلِكَ لَأَضْرَرْنَا بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِاشْتِغَالِ الْوَصِيِّ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ عَدَالَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الشَّاهِدُ (أَوْ) وَجَدَهُ عَدْلًا (ضَعِيفًا) عَنْ الْقِيَامِ بِهَا لِكَثْرَةِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ (عَضَّدَهُ) أَيْ قَوَّاهُ (بِمُعِينٍ) وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ.
ثُمَّ بَعْدَ الْأَوْصِيَاءِ يَبْحَثُ عَنْ أُمَنَاءِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِينَ عَلَى الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا فَيَعْزِلُ مَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ وَيُعِينُ الضَّعِيفَ بِآخَرَ، وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ الْأُمَنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ، لِأَنَّ الْأُمَنَاءَ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ وَأُخِّرُوا عَنْ الْأَوْصِيَاءِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِمْ أَبْعَدُ؛ لِأَنَّ نَاصِبَهُمْ الْقَاضِي، وَهُوَ لَا يُنَصِّبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ، ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَمُتَوَلِّيهَا، وَعَنْ الْخَاصَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute