وَيَتَّخِذُ مُزَكِّيًا
مُكَاتِبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ، وَيُسْتَحَبُّ فِقْهٌ، وَوُفُورُ عَقْلٍ، وَجَوْدَةُ خَطٍّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَئُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيُنْظَرُ هَلْ آلَتْ إلَيْهِمْ، وَهَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ مِنْهُمْ لِصِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ؟ وَيَبْحَثُ أَيْضًا عَنْ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ يَجُوزُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَعَنْ الضَّوَالِّ فَيَحْفَظُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً عَنْ أَمْثَالِهَا وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا إنْ ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ أُودِعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِذَا ظَهَرَ مَالِكُهَا غَرِمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا وَيُقَدِّمُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِمَّا ذَكَرَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، وَيَسْتَخْلِفُ فِيمَا إذَا عَرَضَتْ حَادِثَةٌ حَالَ شُغْلِهِ بِهَذِهِ الْمُهِمَّاتِ مَنْ يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِيهِ.
(وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَتَّخِذُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (مُزَكِّيًا) بِزَايٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِيُعَرِّفَهُ حَالَ مَنْ يَجْهَلُ مِنْ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَحْثُ عَنْهُمْ وَسَيَأْتِي شَرْطُهُ آخِرَ الْبَابِ.
تَنْبِيهٌ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُزَكِّي الْجِنْسَ، وَلَوْ قَالَ: مُزَكِّينَ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا فِي الْجُرْحِ.
(وَ) يَتَّخِذُ (كَاتِبًا) لِتَوَقُّعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْكِتَابَةُ تَشْغَلُهُ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابٌ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ اتِّخَاذُهُ إذَا لَمْ يَطْلُبَ أُجْرَةً أَوْ طَلَبَ، وَكَانَ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِئَلَّا يَتَغَالَى فِي الْأُجْرَةِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْكَاتِبِ (مُسْلِمًا عَدْلًا) فِي الشَّهَادَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْجِيلِيِّ لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ، إذْ قَدْ يَغْفُلُ الْقَاضِي عَنْ قِرَاءَةِ مَا يَكْتُبُهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ وَكَوْنُهُ (عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَكُتُبٍ حُكْمِيَّةٍ لِئَلَّا يُفْسِدَهَا حَافِظًا لِئَلَّا يَغْلَطَ فَلَا يَكْفِي مَنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ، وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِخَاصَّةِ أَمْرِهِ فَيَسْتَكْتِبُ فِيهِ مَنْ شَاءَ.
تَنْبِيهٌ أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْكَاتِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ شَيْئًا، بَلْ يَتَّخِذُ الْقَاضِي مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَقَوْلُهُ: مَحَاضِرَ مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ مَا جَرَى لِلْمُتَحَاكِمِينَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أَوْ تَنْفِيذُهُ سُمِّيَ سِجِلًّا، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَحْضَرُ عَلَى السِّجِلِّ (وَيُسْتَحَبُّ) فِي الْكَاتِبِ (فِقْهٌ) زَائِدٌ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ الْجَهْلِ. أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَا فَشَرْطٌ، وَهَذَا مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ الِاسْتِحْبَابَ وَإِطْلَاقِ الْمَاوَرْدِيُّ الِاشْتِرَاطَ (وَوُفُورُ عَقْلٍ) زَائِدٌ عَلَى الْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ لِئَلَّا يُخْدَعَ وَيُدَلَّسَ عَلَيْهِ. أَمَّا الْعَقْلُ التَّكْلِيفِيُّ فَشَرْطٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَعِفَّةٌ عَنْ الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ (وَجَوْدَةُ خَطٍّ) أَيْ يَكُونُ خَطُّهُ حَسَنًا وَاضِحًا مَعَ ضَبْطِهِ الْحُرُوفَ وَتَرْتِيبِهَا فَلَا يَتْرُكُ فُسْحَةً يُمْكِنُ إلْحَاقُ شَيْءٍ فِيهَا وَتَفْصِيلُهَا فَلَا يَكْتُبُ سَبْعَةً مِثْلَ تِسْعَةٍ وَلَا ثَلَاثًا مِثْلَ ثَلَاثِينَ لِئَلَّا يَقَعَ الْغَلَطُ وَالِاشْتِبَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْخَطُّ الْحَسَنُ يَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ حَاسِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَقَاسِمِ وَالْمَوَارِيثِ فَصِيحًا عَالِمًا بِلُغَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute