للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَّخِذُ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ، وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِتَعْزِيرٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ، وَفَارِقُ نَظِيرِهِ فِي الْمُؤْذَنِ بِأَنَّ ذَاكَ لَا يُوَرِّثُ فِيهِ تُهْمَةً وَلَا مَيْلًا؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَا يَخْتَلِفُ، وَفِي الْمُفْتِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ وَهُنَا عَدَمَهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ وَمَا هُنَا فِي غَيْرِهِ.

وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرِقِ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْمَحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إلَى مَا هُوَ أَهَمُّ فَعَلَى مَنْ لَهُ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ إنْ شَاءَ كِتَابَةَ مَا جَرَى فِي خُصُومَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ مَا جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحَكَّمَ نَفْسَهُ.

وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَأَمْتِعَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ؛ لِبُعْدِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ النُّبُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِلنَّصْرِ بِالرُّعْبِ فِي الْقُلُوبِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُطَعْ وَتَعَطَّلَتْ الْأُمُورُ، وَيَرْزُقُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ، وَالْمُفْتِي، وَالْمُحْتَسِبِ، وَالْمُؤَذِّنِ، وَإِمَامِ الصَّلَاةِ، وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقَاسِمِ، وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَكَاتِبِ الصُّكُوكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ يُنْدَبْ أَنْ يُعَيِّنَ قَاسِمًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا مُقَوِّمًا وَلَا مُتَرْجِمًا وَلَا مُسْمِعًا وَلَا مُزَكِّيًا، وَذَلِكَ لِئَلَّا يُغَالُوا بِالْأُجْرَةِ.

(وَيَتَّخِذُ دِرَّةً) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لِلتَّأْدِيبِ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهَمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَدِّبُ بِالسَّوْطِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.: قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبَ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي حِفْظِي مِنْ شَيْخِنَا أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ مَا ضَرَبَ بِهَا أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ (وَ) يَتَّخِذُ (سِجْنًا) (لِأَدَاءِ حَقٍّ) اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْآدَمِيِّ (وَلِتَعْزِيرٍ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَهَا سِجْنًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ.

تَنْبِيهٌ لَوْ امْتَنَعَ مَدْيُونٌ مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ تَخَيَّرَ الْقَاضِي بَيْنَ بَيْعِ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبَيْنَ سَجْنِهِ لِيَبِيعَ مَالَ نَفْسِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَا يُسْجَنُ وَالِدٌ بِدَيْنِ وَلَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِعَمَلٍ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي السِّجْنِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، وَنَفَقَةُ الْمَسْجُونِ فِي مَالِهِ، وَكَذَا أُجْرَةُ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ، وَلَوْ اسْتَشْعَرَ الْقَاضِي مِنْ الْمَحْبُوسِ الْفِرَارَ مِنْ حَبْسِهِ، فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ، وَلَوْ سُجِنَ لِحَقِّ رَجُلٍ فَجَاءَ آخَرُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ. ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>