وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ فَسِيحًا بَارِزًا مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ لَائِقًا بِالْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ لَا مَسْجِدًا.
ــ
[مغني المحتاج]
رَدَّهُ، وَالْحَبْسُ لِمُعْسِرٍ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ لَهُ، وَيَتَّخِذُ أَعْوَانًا ثِقَاتٍ. قَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ: وَأُجْرَةُ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ خَصْمُهُ مِنْ الْحُضُورِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ بِالِامْتِنَاعِ.
(وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ) (مَجْلِسِهِ) أَيْ الْقَاضِي (فَسِيحًا) لِأَنَّ الضَّيِّقَ يَتَأَذَّى مِنْهُ الْخُصُومُ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَغَرِيبٍ (مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَفِي الشِّتَاءِ فِي كَنٍّ، وَيَكُونُ مَصُونًا أَيْضًا مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي مِنْ نَحْوِ الرَّوَائِحِ وَالدُّخَانِ وَالْغُبَارِ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) فَيَجْلِسُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَجْلِسُ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. وَفِي الشِّتَاءِ فِي كَنٍّ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ مَصُونًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَائِقًا بِالْوَقْتِ لَا يَتَأَذَّى فِيهِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ نَفْسَ اللَّائِقِ لَا صِفَةً أُخْرَى كَانَ أَوْلَى، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ، قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءِ) كَأَنْ يَكُونُ دَارًا (لَا مَسْجِدًا) فَيُكْرَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي لَا يَخْلُو عَنْ اللَّغَطِ وَارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَالدَّوَابِّ، وَالْمَسْجِدُ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ وَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَمِعَ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: إنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، إنَّمَا بُنِيَتْ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا إذَا احْتَاجَ لِلْجُلُوسِ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونِهَا مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا، بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيُنَصِّبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ إقَامَتُهَا فِيهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ.
تَنْبِيهٌ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ كَدَكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ، وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلَّ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَنْ لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ جُلُوسِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ، وَالْأَوْلَى مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» . قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute