وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، وَكُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ فِيهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي الْأَذْكَارِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ وَقَّاصٍ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَقُولُهُ إذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَزِيدُ فِيهِ: أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ، وَزَيِّنِي بِالْحِلْمِ، وَأَلْزِمْنِي التَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ، وَأَنْ يَأْتِيَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ رَاكِبًا، وَيَسْتَعْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَيَنْدُبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا.
(وَيُكْرَهُ) لَهُ (أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، وَ) فِي (كُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خَلْقُهُ فِيهِ) كَالْمَرَضِ، وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَشِدَّةِ الْحُزْنِ، وَالسُّرُورِ، وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ " لَا يَقْضِي " وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ، وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ لِلَّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَإِنْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنْ قَضَى مَعَ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِقِصَّةِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورَةِ،.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا حَيْثُ لَا زَحْمَةَ وَقْتَ الْحُكْمِ لِخَبَرِ «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةً لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ، وَالْبَوَّابُ وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذَكَرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِلِ النَّاسِ - أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ، فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ.
(وَيُنْدَبُ) عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي حُكْمٍ (أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ. أَمَّا الْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute