وَمَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، وَمَا ثَبَتَ بِهِمْ ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا، وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَتَعْدِيلِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ.
ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا فَقَالَ (وَ) كُلُّ (مَا لَا يَثْبُتُ) مِنْ الْحُقُوقِ (بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَقْوَى لَا يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ اللَّوْثُ فِي قَتْلِ عَمْدٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْيَمِينَ الْمُتَّحِدَةَ لَا الْمُتَعَدِّدَةَ (وَ) كُلُّ (مَا ثَبَتَ بِهِمْ) أَيْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَأَتَى بِالضَّمِيرِ مُذَكَّرًا تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ (ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي خِلَافِيَّاتِهِ حَدِيثَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ اهـ.
وَالْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَكَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَّالِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا) بِنَصْبِ نَحْوَ بِخَطِّهِ عَطْفًا عَلَى عُيُوبٍ كَرَضَاعٍ، فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ خَطِرَةٌ بِخِلَافِ الْمَالِ.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِهِ بِالْحُرَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَيَثْبُتُ فِيهَا بِذَلِكَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِيمَا ذَكَرَهُ التَّرْجَمَةَ فِي الدَّعْوَى بِالْمَالِ أَوْ الشَّهَادَةِ بِهِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا مَدْخَلَ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِيهَا؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ مَعْنَى لَفْظِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدِ (وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ) مِنْ الْحُقُوقِ (بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ) فِي الْمَالِ جَزْمًا وَفِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسْوَةُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ وَقِيَامِهِمَا مَقَامَ رَجُلٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِوُرُودِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ مَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي) فِيهَا (بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَ) بَعْدَ (تَعْدِيلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَوَّى جَانِبُهُ حِينَئِذٍ، وَالْيَمِينُ أَبَدًا فِي جَانِبِ الْقَوِيِّ، وَفَارِقُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ عَلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ بِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الرَّجُلِ قَطْعًا، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعًا أَوْ بِالشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينُ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute