مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا مُسْتَوْطِنًا لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى. وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ.
ــ
[مغني المحتاج]
ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ، فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ تَوْقِيفٌ. وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ، وَثَبَتَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ.
وَشَرْطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا (مُكَلَّفًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا (حُرًّا) كُلًّا (ذَكَرًا) لِأَنَّ أَضْدَادَهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِنَقْصِهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ رَفْعًا بِهِ لَا لِنَقْصِهِ (مُسْتَوْطِنًا) بِمَحَلِّهَا (لَا يَظْعَنُ) مِنْهُ (شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَلَا بِالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِمْ رِقٌّ لِنَقْصِهِمْ وَلَا بِغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِينَ، كَمَنَ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِمَحَلِّهَا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ أَوْ لَا؟ اشْتَرَطَ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَالرَّاجِحُ صِحَّةُ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ بَلْ صَوَّبَهُ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، فَإِنْ قِيلَ: تَقَدُّمُ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ فِيهَا، وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي تَكْلِيفِهِ مَعْرِفَةَ تَقَدُّمِ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ (وَالصَّحِيحُ) مِنْ قَوْلَيْنِ (انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى) لِأَنَّهُمْ كَامِلُونَ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ.
وَالثَّانِي: لَا كَالْمُسَافِرِينَ، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ لَا وَجْهَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْنِ أَيْضًا (أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ) إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالثَّانِي، وَنُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ، فَلَا يُنْتَقَلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. .
وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ، لَكِنْ عَنْ النَّصِّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ يَكْفُرُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧] [الْأَعْرَافَ] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا تَصَوَّرُوا فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَنَحْوِهِمْ اهـ. وَهَذَا حَسَنٌ.
وَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ أَخْرَسَ فَهَلْ تَنْعَقِدُ جُمُعَتُهُمْ؟ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ الْجَزْمُ بِالِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُطْبَةِ. وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute